هناك إجماع عربيٌّ على الإعتراف بإسرائيل من ضمنهم لبنان وسوريا
 

كثر تكلموا عن فلسطين ورفعوا من أجلها شعارات بعضها ما كان واقعيّ وبعضها الآخر تحول إلى نغمةٍّ مكرَّرة ملَّت منها النَّاس.
وكثر تدخلوا بالقضيَّة الفلسطينيّة وتاجروا بها وإصطدموا فيها سواء عبر قتال أو إغتيالات أو خلق إنشقاقات بداخلها ما أضعفها عبر الزمن.
وبالمقابل أخطأ بعض الفلسطينيين بالبلاد التي إستضافتهم فحاولوا السيطرة على الحكم كما جرى في الأردن وحاولوا جعل لبنان قاعدة لوجستيّة يتحكمون بها.
فالأخطاء بحق القضيّة الفلسطينيّة هي من الجميع من دون إستثناء وكانت كلها تصب في إضعاف الموقف الفلسطيني وتقوية الرأي الإسرائيليِّ أمام المجتمع الدولي.
لكن مع هذه السلبيَّة الطاغية على القضيَّة لا بد من الإشارة إلى محطات بيضاء في النضال الفلسطينيِّ ساهمت في تقليل الخسائر بهذه القضيّةِ وجعلت الإسرائيليَّ يتنازل كنضال حركة فتح والإنتفاضة الأولى والثانية وعمليَّات حماس والجهاد وباقي الفصائل.
ولعلَّ أهم إنجاز يحسب للرئيس الراحل ياسر عرفات هو تحويله ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية من ميثاق قومي إلى وطني فخلق الحسَّ الوطنيَّ لدى الفلسطينيين وساهم في تنمية الهويَّة والتمسُّك بالأرض.
ضمن سلسلة النِّضال الطويلة ومحطَّات الفشل والنَّجاح توصَّل أبو عمَّار إلى قناعة تحرير الأرض مرحليَّا والقبول بأراضي 4 حزيران 1967.

إقرأ أيضا : حماس الجديدة رؤية في الطريق الصحيح

 

 

عرفات يقبل بأراضي1967:

قبول عرفات جاء بعد عدَّة أحداث ومعارك خاضها مع محيطه العربيِّ والفلسطينيِّ وأخطاء هو إرتكبها كخطأ الوقوف مع الرَّئيس الرَّاحل  صدَّام حسين بحرب الكويت ضدَّ الإجماع العربيِّ والدوليِّ ما ساهم في حصار منظَّمة التَّحرير ماليًّا وسياسيًّا وإضطَّرها للذَّهاب إلى مؤتمرات سلام وتقديم تنازلات لفكِّ الحصار أوَّلاً والعودة إلى جزء من الأرض الفلسطينيَّة ثانياً وهذه النُّقطة بالتَّحديد كانت تشكِّل حالةً عرفانيَّةً وروحانيَّةً لياسر عرفات بعيدا عن أيِّ مصلحةٍ سياسيةٍ أو حزبيةٍ.
قبل هذا كلِّه، جاءت وثيقة فتح ومنظَّمة التّحرير عام 1988 لتحدد وجها جديدا للقضيّة الفلسطينيّة أبرزها القبول بأراضي 1967 وإقامة دولة فلسطينيّة وجاء بعدها مؤتمر السّلام في مدريد ومؤتمر أوسلو وحصل ما حصل.
في هذه المرحلة برزت حركة المقاومة الفلسطينيّة حماس ورفضت كل هذا الحراكِ السياسيِّ وتمسَّكت بالكفاح المسلَّح لتعود حماس بالأمس عبر لسان رئيس مكتبها السياسي خالد مشعل ويقبل بحدود دولة فلسطينيَّة على أراضي 1967 مع عدم الإعتراف بشرعيّة إسرائيل.

ردة فعل الجمهور:

وأثار إعلان حماس بالأمس ردّات فعل سلبيّة من شريحة واسعة من جمهور محور " المقاومة والممانعة " وإتّهموها بالتّنازل عن الحقّ الفلسطينيّ.

وإن كانت ردّة فعل الجمهور هي نفسها ردّة فعل حماس على خطابات فتح السّابقة فهي تتذوق الآن كأس السُّم الذي كانت تذيقُه لعرفات وفتح.
لكن مع هذا لا بدَّ من تسليط الضَّوء على أحداث تاريخيَّة متعلِّقة بأراضي 1967 لا يدركها جمهور المقاومة والممانعة.

إقرأ أيضا : كيف سيقرأ العالم رسالة حماس الجديدة؟

 

 

آل الأسد فاوضوا إسرائيل:

ففي سوريا والتي تعتبر صخرة قويَّة للمحور فاوض فيها آلُ الأسدِ الدولةَ الإسرائيليةَ على مرحلتين، مرحلة الرَّئيس الرَّاحل حافظ الأسد ومرحلة الرَّئيس الحالي بشَّار الأسد.
كان حافظ الأسد يفاوض من أجل إسترجاع أراضي الجولان ووصلت المفاوضات في آخر لحظاتها بحسب ما يروِّجُ إعلام المقاومة نفسه بأن الأسد الأب رفض القبول بالتَّسوية النّهائية بسبب رفض إسرائيل التّنازل عن عشرات الأمتار من بحيرة طبريّا.
ففي حال قبول إسرائيل حينها بالتّنازل عن هذه الأمتار كانت ستتم التّسوية النهائية على أساس إعتراف سوريا الأسد بالدّولة الإسرائيليّة وتوقيع السّلام مقابل الأرض أي الجولان.
بمعنى آخر، لم يكن هناك أيُّ إشكالٍ عقائديّ أو دينيّ أو سياسيّ لدى حافظ الأسد حينها حول الإعتراف بشرعيَّة إسرائيل وحقّها في الوجود في حال قدّمت الأخيرة عرضاً مناسباً للسَّلام وبالتَّالي شعارات  إغراق اليهود بالبحر وتحرير فلسطين من النَّهر إلى البحر وتدمير الكيان الصهيوني كانت ستسقط عند تحقق المصلحة السياسيَّة.
وحاول الرّئيس الأميركيُّ السَّابق بيل كلينتون التّسريع من وتيرة المفاوضات ونظم لذلك جولاتٍ من التَّفاوض بين السّوريين والإسرائيليين في أمريكا وقال الأسد لأولبرايت أنَّه مستعد للإعتراف بإسرائيل ، على ذمَّة الصَّحافيِّ الرّاحل محمّد حسنين هيكل.
بعد وفاة حافظ الأسد خلفه إبنه بشّار الّذي نظّم هو الأخير جولات من المفاوضات الغير مباشرة مع الإسرائيليين من أجل السلام في الشرق الأوسط برعاية تركيا قبل العام 2011 وتوقَّفت من قبل السوريين بسبب الحرب الإسرائيليّة على غزّة.

إقرأ أيضا : ستعترف بحدود 1967 وتنفك عن الإخوان.. إليكم وثيقة حماس الجديدة

مبادرة بيروت للسَّلام :

أما أكبر إعتراف عربيٍّ بشرعيَّة الكيان الإسرائيليِّ وبحدود أراضي 1967 فهو ما حصل بقمَّة بيروت العربيَّة عام 2002.
في هذه القمَّة قدَّمت المملكة العربيَّة السعوديَّة بشخص وليِّ العهد آذاك الملك الرّاحل عبد الله آل سعود مبادرةً عربيةً للسَّلام وأبرز ما جاء فيها:
- إنسحاب إسرائيل لحدود 4 حزيران 1967 وعودة اللاجئين.
- التَّمسك بالقرارات الأمميَّة 242 و 338 المتعلِّقة بالسَّلام الشَّامل والإعتراف بإسرائيل.

- إقامة علاقات طبيعيَّة بين الدّول العربيَّة وإسرائيل على مختلف الصّعد بمعنى التّطبيع والإعتراف.
- إنهاء الصِّراع العربيِّ - الإسرائيليِّ.
- إقامة دولة فلسطينيَّة مستقلَّة  بغزّة والضِّفَّة الغربيَّة عاصمتها القدس الشرقيَّة.
والقرار 242 يدعو إلى وقف إطلاق النّار والسّلام الشّامل في الشّرق الأوسط والإعتراف بإسرائيل وتسوية عادلة لقضيّة اللاجئين.
أما القرار 338 فهو يؤكد على ما ذكر بالقرار 242 ويدعو إلى وقف إطلاق النّار.
وعودةً إلى مقرَّرات المبادرة العربية التي وصفها شارون حينها بأنَّها " لا تساوي قيمة الحبر الَّتي كتبت به " نرى ونلحظ العديد من الأشياء المهمَّة.
فالقمَّة عقدت في بيروت عام 2002 في عهد الرّئيس السّابق إميل لحّود وبزمن الوصاية السّورية على لبنان ونالت موافقةً من جميع الدّول العربيّة من ضمنهم لبنان وسوريا.

إقرأ أيضا : قناة إسرائيلية تكشف إسم قاتل ياسر عرفات
أي أن لبنان إميل لحّود حينها وما يمثّل من رمز " مقاوم " وافق على مبادرة عربيّة تنصّ على الإعتراف بإسرائيل وإقامة دولة عربيّة على حدود 1967 وكذلك فعلت سوريا الأسد.
عن هذه المبادرة تكلّم كثيراً لحّود وجاهر أمام وسائل الإعلام بأنَّ كان له الفضلُ في إدخال بند اللاجئين الفلسطينيين على نصّ المبادرة وبالتّالي الموافقة عليها.
وبالطبع لا يمكن للرّئيس لحود الموافقة على المبادرة وهي من الأمور المصيريّة في لبنان من دون تحقيق إجماع وطنيٍّ لبنانيٍّ عليها ( سنّي وشيعي ) كانت الوصاية السوريّة متكفّلة بتأمينها.
 وحده حزب الله من سجّل رفضه لهذه المبادرة حينها ولم يكن يتدخّل بقوَّةٍ بالشّأن الداخليّ كما اليوم.
إذاً، نحن أمام شخصيَّات مهمَّة في محور " الممانعة والمقاومة " وقّعوا على الإعتراف بإسرائيل وتفاوضوا معها وقبلوا بحدود 1967 يضاف إليهم اليوم حركة المقاومة الإسلاميّة  حماس.
وقد راج في لبنان بعد إغتيال الرّئيس رفيق الحريري بالأخصِّ  عبارةً مشهورةً كان يتناقلها العديد من ساسة لبنان وهي أن :" لبنان آخر دولة عربيّة ستوقّع سلام مع إسرائيل" وهذه العبارة كانت تمرُّ مرورَ الكرام في الإعلام اللبنانيّ من دون إستنفار من حزب الله أو المقرّبين منه بسبب الموقف الرسميّ من المبادرة العربيّة للسّلام.
ممّا تقدّم يتبيّن أنَّ قضيّة أراضي 4 حزيران 1967 العربيّة هي ليست فقط موضع قبول رسميٍّ بل إجماع عربيّ سواء من دول " التّصدّي والمواجهة " أو دول " الإعتدال ".

 

إقرأ أيضا : ياسر عرفات الغائب عن انتفاضة القدس

فالكل مجمع على الإعتراف بإسرائيل وموقِّع على ذلك ووحدها الشّعوب غارقة في أكاذيب السّاسة وألاعيبهم.
ما قامت به حماس بالأمس هو فتحٌ لنافذةٍ على تاريخٍ ماضٍ إمتزجت فيه المغالاة والمزايدات وتضييع الوقت لتأتي وتخضع لمعادلات قديمة هي نفسها كانت تستهزء بها.
ما فعلته حماس بالأمس هو تكريم لأنور السّادات في قبره وإعتذار منه وإعادة ُإعتبارٍ لياسر عرفات من حيث تدري أو لا تدري.
ربّما لذلك قام خالد مشعل  بالأمس بالإتيان على ذكر أبو عمار ومناقبه ودوره الكبير في قيادة الإنتفاضة الثانية "عن قصد".
ويبقى أن الصّراع العربيّ - الإسرائيليّ أصبح شعاراً فارغاً من محتواه لا يشير إلّا للتّنازلات وتبرير وشرعنةِ أنظمةِ الظّلم والضّحك على النّاس.