في 29 كانون الثاني الماضي، كشف الرئيس دونالد ترامب أنه طلب من وزير دفاعه الجنرال جوزف ماتيس خطة سريعة وفعّالة للقضاء على «داعش»، «لتخليص العالم من هذه الظاهرة الإرهابية»، ونُقل عنه يومها ما معناه «هذا مستوى من الشر لم نشهده من قبل»، معتبراً أنها الخطوة الأولى لتسوية الأزمة السورية. فما الذي قضت به هذه الخطة ومراحلها التنفيذية؟
 

بعد تسعة أيام على تسلّمه مهماته أصدر الرئيس الأميركي في 29 كانون الثاني الماضي أمراً تنفيذياً أمهل فيه وزير الدفاع الأميركي والبنتاغون 30 يوماً لإعداد خطة جديدة لتسريع الحملة ضد تنظيم «داعش» والقضاء عليه إنفاذاً لوعد قطعه أكثر من مرة في الحملة الإنتخابية الرئاسية على خلفيّة رفضه نهج سلفه باراك أوباما وتوجّهاته في التعاطي مع الأزمة السورية.

وفي 27 شباط - أقصر أشهر السنة - أُعلِن رسمياً أنّ ترامب تسلّم الخطة بكل توصياتها وطلب إحالتها على الفور الى مجلس الأمن القومي لإختيار الأنسب والأفعل ممّا هو مقترح وتكليف القيادة العسكرية تنفيذها بلا إبطاء أيّاً كانت الوسائل.

ومنذ ذلك التاريخ لم يعد يسمع الأميركيون والعالم أيّ تفاصيل عمّا قضت به الخطة والتوصيات التي خلص اليها ماتيس وفريق عمله وما قبله منها البيت الأبيض ومجلس الأمن القومي. إلّا أنّ الخبراء العسكريين والمراقبين الديبلوماسيين الذين يتابعون التحركات العسكرية الأميركية في المنطقة وعلى الأراضي السورية وردات الفعل المتغيّرة تجاه أيّ حدث بارز قرأوا عناوين الإستراتيجية الجديدة لماتيس الذي عرف المنطقة من خلال قيادته العمليات العسكرية في العراق مطلع القرن 21 ومن ثم قيادته المنطقة العسكرية الأميركية الوسطى التي تشمل العراق وسوريا ولبنان ومحيطها على مدى سنوات عدة.

وبناءً على ما تقدّم تتحدث التقارير الواردة من واشنطن عن أربع مراحل أساسية ومفصلية اعتمدتها الخطة. ويمكن الحديث عن إثنتين منها وُضعتا قيد التنفيذ وهما:

- المرحلة الأولى لم تخرج عن العنوان الرئيس للخطة وهي البدء بتحرير الشمال السوري من قوات «داعش». فتبدلت النظرة الأميركية فجأة من عملية «درع الفرات» التركية فساندتها لإبعاد «داعش» عن حدود تركيا والقضاء عليها في منطقة محدَّدة امتدت الى مدينة «الباب» جنوباً ومنبج شرقاً وعفرين غرباً. وتزامناً كان الدعم الأميركي للقوات الكردية يتعاظم فتقدّمت «قوات سوريا الديموقراطية» لتوسيع سيطرتها حتى تطويق مدينة الرقّة غرباً ولجهة إدلب شرقاً.

- المرحلة الثانية كانت بتوجيه الرسائل في أكثر من اتجاه داخلي وإقليمي ودولي فبدأت واشنطن الحديث عن ضرورة تغيير النظام في سوريا وتنحّي القيادة السورية عن الحكم لمصلحة مرحلة انتقالية ومنعت الجيش السوري وحلفاءه من الإيرانيين والميليشيات العراقية والأفغانية واللبنانية من الاقتراب من المناطق المحرَّرة من «داعش» فرسمت لها حدوداً لم تتعدّ المناطق التي سيطرت عليها بعد معارك حلب.

كذلك منعتها من التوجّه نحو مدينتي «الباب» والرقّة معاً ومناطق أخرى قريبة منهما، فتوقف حراك الجيش السوري على طول هذه الجبهات على وقع التشدّد في تطبيق ما تمّ التوصل اليه من اتفاق لوقف النار قبل أيام من نهاية العام الماضي ولم تتغيّر موازين القوى في المنطقة دراماتيكياً.

وانطلاقا ممّا تقدّم وفي ضوء هاتين المرحلتين يمكن قراءة الإثنتين الأخريين من خلال الإستعدادات الجارية على أكثر من مستوى سياسي وديبلوماسي وعسكري في سوريا وواشنطن وموسكو وأكثر من عاصمة معنيّة بالأزمة السورية، وهما:

- الأولى تجلّت ببدء التحضيرات المتسارِعة لتشكيل مجالس القيادة للمناطق التي سيتم تحريرها من «داعش» لتتسلّم الأمن فيها وإدارة شؤون الناس بعيداً من أيّ حضور للنظام السوري وحلفائه. ويظهر ذلك في وضوح من خلال البدء بتشكيل مجلس خاص لإدارة منطقة الرقّة المحاصَرة وآخر لمنطقة إدلب باستنساخ تجربة «مجلس إدارة منبج» الكردية امتداداً الى المجلس الذي يدير المنطقة الكردية من الحسكة الى القامشلي ومجلس خاص لإدارة منطقة «درع الفرات».

وفي المعلومات أنّ هذه المرحلة ستكون الأطول لأن لها مستلزماتها السياسية والإدارية والعسكرية في ضوء التحضيرات الجارية لتوحيد القوة العسكرية التي ستدخل هذه المناطق تزامناً مع تجميع قوى المعارضة وتوحيدها تحت راية حكومة يرأسها الرئيس السابق للحكومة السورية المنشق عن النظام الدكتور رياض حجاب الذي أجرى محادثات حول هذا الشأن في واشنطن ويستكملها مع بقية القوى السياسية والعسكرية السورية من مناطق متعددة في تركيا والأردن على وقع الحديث المتنامي عن «منطقة آمنة» على الحدود السورية ـ الأردنية شبيهة بمنطقة «درع الفرات».

- أما المرحلة الثانية والأخيرة فهي تتحدث عن المرحلة الإنتقالية التي ستبدأ تلقائياً من إحياء مؤتمر جنيف للحوار بين السوريين بعد توفير التوازن المطلوب بين النظام والمعارضة لإعطاء الإشارة للبدء بالمرحلة السياسية التي تفرض انتقال السلطة الى قيادة سياسية جماعية تواكبها حكومة موقتة يشارك فيها ممثلون عن الطرفين السوريَّين المتنازعَين وفق الدستور السوري الجديد الذي بدأت التحضيرات في شأنه بالمسودة الروسية التي وضعت صيغته الجديدة قيد البحث ليحظى بالتغطية اللازمة والذي ستُجرى على أساسه الإنتخابات الرئاسية التي ستنتج القيادة السورية لإدارة مرحلة ما بعد الحرب.

والى هذه المراحل الأربع لا يمكن تجاهل الإجراءات الأميركية الجديدة التي تجلّت أولاً بالقصف الصاروخي لـ «قاعدة الشعيرات» عقب عملية «خان شيخون» الكيماوية، وبعمليات الإنزال في أكثر من منطقة سورية لتعزيز الوجود العسكري الأميركي المباشر على الأرض في لعبة توازنات مع الدور الروسي المتمكّن في الساحل السوري والعاصمة دمشق والتي سترتسم من خلالها التفاهمات الأميركية - الروسية لإنتاج التسوية النهائية للأزمة السورية ومعها عملية تقاسم المغانم. ولكن مَن يدري متى وكيف؟