لم تتوصل بعد الطبقة السياسية الحاكمة إلى إقتراح قانون إنتخابي جديد وما زال التكاذب السياسي سيد الموقف فيما تنتهي المهلة الزمنية بعد قرار رئيس الجمهورية بتأجيل جلسة التمديد، فنبقى أمام خيارين: تمديد جديد أو قانون الستين، فأيهما سنختار؟
 

المشهد السياسي اللبناني بقدر ما يثير الإشمئزاز والقرف حينًا والإستهزاء والسخرية من هذه الطبقة السياسية الفاسدة المتسلطة على رقاب العباد والممسكة بمفاصل الحكم حينًا آخر، فإنه يثير الكثير من الهواجس والمخاوف من وصول البلد في الخامس عشر من شهر أيار الجاري وهو المفصل الزمني الذي أتاحه الدستور اللبناني لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون تحديده كفرصة أخيرة لوضع قانون جديد للإنتخابات النيابية دون أن يتمكن اللبنانيون من التوصل إلى إتفاق على مثل هذا القانون، وبذلك يكون رئيس البلاد قد إستنفذ آخر صلاحية دستورية منحه إياها الدستور لتأخير التمديد للمجلس النيابي شهرًا كاملًا كفترة زمنية كافية للأطراف السياسية والحزبية كي تستولد قانونًا عصريًا يتم على أساسه إجراء الإنتخابات النيابية المرتقبة. 

إقرأ أيضًا: قانون الستين هو قانون الضرورة
فالزمن يلتهم الأيام القليلة المتبقية من عمر هذه الفرصة الدستورية بسرعة قياسية دون أن يلّوح في أفق الإرباك السياسي ما يجنب البلد الوصول إلى الحائط المسدود مع تشبث كل فريق سياسي على موقفه، وإصراره على فرض القانون الذي يتلائم مع مصلحته ويؤمن له وصول الحد الأقصى من مرشحيه إلى الندوة البرلمانية. 
فمنذ دخول البلاد معمعة البحث عن قانون جديد للإنتخابات النيابية برزت مواقف واضحة للقوى السياسية لا لبس فيها فهي ضد إجراء الإنتخابات المقبلة على أساس قانون الستين بعد أن تمت شيطنته والإعلان عن الرفض المطلق لهذا القانون وكذلك فهي ضد التمديد للمجلس النيابي بعد ان تم التمديد له مرتين وطوال فترة نيابية كاملة لمدة أربع سنوات وفي ذات الوقت فهي ضد الفراغ الذي يصبح محتومًا بعد الخامس عشر من شهر أيار الجاري إذا عجزت هذه القوى السياسية والحزبية عن التوصل إلى إتفاق على قانون جديد في الوقت المتبقي. 
وفي كلام رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري وبعد لقائه الأخير مع رئيس مجلس النواب نبيه بري لم يجد المواطن اللبناني فيه ما يشفي غليله، إذ جاء خاليًا من أي إشارة توحي بالتفاؤل وتبعث الأمل من جديد في النفوس ولم يتعد حدود التمنيات والطلب من الأفرقاء السياسيين تقديم بعض التنازلات عن مواقفها. 
ومما قاله الحريري: "لا نريد التمديد لا أنا ولا أحد في الجمهورية أنا لا أريده ولا فخامة الرئيس ميشال عون يريده، وحتى دولة الرئيس نبيه بري لا يريد التمديد، والمشكلة هي في كيفية التوصل إلى حلول خلال الأيام المقبلة". 

إقرأ أيضا:  تداعيات العقوبات الأميركية على حزب الله 
وأضاف الحريري أحاول تقريب وجهات النظر بين الأفرقاء السياسيين للوصول إلى حل قبل الخامس عشر من شهر أيار، وفي نهاية المطاف علينا التوافق على قانون للإنتخابات. 
وتابع الحريري قائلًا: أتمنى أن لا نكون سلبيين أعرف أن الموضوع ساخن ومهم ولكن هذا لا يعني أن الحلول غير موجودة، بل الحلول موجودة والأفرقاء السياسيين لم يقاطعوا بعضهم البعض وأنا لا أزال أتكلم مع الجميع، إن كان مع الحزب التقدمي الإشتراكي أو القوات اللبنانية أو غيرهما والجميع يتكلم مع بعضه البعض، ونقوم بإجتماعات يومية.  
وختم الرئيس الحريري قائلًا: موقفي أنني لا أريد تمديد ولا فراغ بل أريد الوصول إلى حل مهما كلف الأمر، لأن هذا البلد يستحق أن نضحي جميعًا من أجله فأنا أرى أن هذا المواطن اللبناني يستحق من كل واحد منا كأفرقاء سياسيين أن نضحي قليلًا ولذلك هناك حلول موضوعة على الطاولة، وأن شاء الله سنصل إليها. 
وردًا على سؤال هل يمكن في الأيام المتبقية أن نصل إلى قانون إنتخاب؟ أجاب الحريري يخلق الله ما لا تعلمون، فالواضح من كلام الرئيس الحريري أن الرهان الأقوى ما زال قائمًا على المشيئة الإلهية أو على معجزة تهبط من السماء وتكون قادرة على تغيير العقول والنفوس ولكن لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم أو قد يكون الرهان على وحي يأتي من أطراف خارجية - وهو الأرجح - يساهم في تذليل العقبات الحائلة دون التوصل إلى قانون إنتخابي جديد. 
في ظل هذه المماحكات السياسية والتكاذب الإعلامي المتبادل تبدو الإشارة ملحة إلى ما قاله البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، وهو الكلام المجرد عن أي مصلحة وغاية، حيث جاء في عظته الأخيرة ما حرفيته  فعلى القوى السياسية الأساسية في البلاد إذا لم تتفق على قانون جديد أن تتحمل مسؤولية إجراء الإنتخابات على أساس قانون الستين النافذ، وإلا واجهت البلاد خيارين صعبين، التمديد لمجلس النواب وهو مرفوض، أو الفراغ وهو القاتل وعواقبه وخيمة. 
وعليه يبقى قانون الستين كما هو أو معدلًا هو الخيار الأقل مرارة لإنقاذ البلد من متاهات التشرذم والحائل دون تقسيمه إلى بلدين بلد إسلامي وبلد مسيحي.