عرَّف الله عز وجل في كتابه الحكيم الإسلام الصحيح الذي أنزله على رسوله (ص) من خلال بيان آثار هذا اﻹسلام الصحيح، فقال سبحانه :
{واعتَصِمُوا بِحَبلِ اللَّهِ جَمِيعاً ولا تَفَرَّقُوا وَاذكُرُوا نِعمَتَ اللَّهِ عَلَيكُم إذ كُنتُم أعدَاءً فألَّف بين قُلوبِكُم فَأصبحتُم بِنِعمَتِهِ إخواناً وكنتُم عى شَفَا حُفرَةٍ من النَّار فأنقَذَكُم منها كَذلك يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُم آيَاتِهِ لَعلَّكُم تَهتَدُون} [آل عمران/103]

وهنا لا بد لنا أن نتساءل عن ماهيّة "الإسلامات" المتعددة الموجودة فيما بيننا اليوم، فهل هي ذلك الإسلام الذي أنزله الله تعالى على رسوله (ص) أم هي إسلامات "مخترعة مبتدعة" وفي كلٍّ منها "شبه" من الإسلام الصحيح؟!

وعند التدبُّر في آثار "الإسلامات" الموجودة اليوم بيننا والمتعددة حتى عند كل مذهب من مذاهب المسلمين، نجد أن آثارها جاءت على عكس ما تحدَّثت عنه الآية الكريمة من الآثار الطيبة للإسلام الصحيح، فالشيعة باتوا مِلَلاً ونِحَلا،ً تَتمسَّك كل فئة منهم بإسلام خاص بها تختلف مناهجه العملية عن الإسلام الذي تتمسَّك به باقي الفئات الشيعية، وكما كان الشيعة في السابق طوائف كثيرة وبقي منها الزيدية والإسماعيلية والإثنا عشرية، فإن كل طائفة من هذه الطوائف الشيعية قد انقسمت اليوم إلى طوائف شتى بعدما أدخلت كل فئة من فئات هذه الطوائف على إسلامها وتشبعها ما يُمَيِّزها عن الفئات الشيعية الأخرى حتى من نفس الطائفة . فكل من هذه الفئات قد جعلت من أسلوبها السياسي جزءاً من الدين، ومن يؤمن بهذه السياسة فهو مؤمن ومن يرفضها فهو ضال ليس من الإسلام والتشيع في شيء!!
فصارت الزيدية فِرَقاً وكذلك الإسماعيلية وكذلك الإثنا عشرية فِرقاً تلعن كل فِرقة منهم الأخرى وتتبرأ منها!!
فالخمينية والشيرازية والحكيمية والصدرية والمستقلون إلخ باتت فِرَقاً تتمايز عن بعضها بمبادئ دينية وتلعن كل منها الأخرى، بل ومنهم من استباح دم غيرهم من الفِرق، حتى وقعت بينهم النزاعات الدموية وصار الكل يمكر بالكل والكل عدوا للكل بعدما ادَّعت كل فئة من هذه الفئات أنها وليِّة لله من دون غيرها!!

إقرأ أيضًا: الدجال الإيراني العظيم يحرق بلادنا!!

أما المذاهِب السنيّة فبات كل مذهب منها - بسبب كثرة عدد أتباعه - أضعافاً مضاعفة مما عند الشيعة جميعاً، فهناك السنية العامة والمذاهب الأربعة التي إنقسم كل منها إلى سلفية ووهابية وإخوانية وصوفية إلخ، وقد وقعت ولا تزال تقع بين هذه المذاهب والفئات أنهار من الدماء بسبب نفس هذه الدعوات الإسلامية والسياسية المتعددة بعدما تم إعطاء الخلاف بُعداً دينياً ليس من الإسلام المحمدي في شيء!!

وإذا تدبَّرنا في نظرة أتباع مذاهب الشيعة المختلفين فيما بينهم - كما بَيَّنا - إلى أتباع مذاهب السنة المختلفين فيما بينهم كما بَيَّنا أيضاً، وتدبَّرنا في نظرة أتباع مذاهب السنة كذلك إلى أتباع مذاهب الشيعة، ورأينا الآثار العدوانية الدموية الكارثية لهذه النَّظرات العدوانية التكفيرية المتبادلة فيما بينهم جميعاً، عرفنا - بمقتضى الآية التي تحدَّثت عن الآثار الطَّيِّبة للإسلام الذي نزل على رسول الله (ص) - أن الإسلام الموجود عند هذه المذاهب والفئات المتعددة لكل مذهب من هذه المذاهب أنه إسلام مُبتَدَع ومُخترَع لا صحة، وإن كان "يُشبه" في الكثير من "مظاهره" الإسلام القرآني الصحيح، ويدلك على ذلك الآثار الكارثية التي أنتجها كل إسلام من هذه الإسلامات - التي لا تُعد ولا تُحصى - على البشرية والإنسانية جمعاء، بل وعلى نفس المسلمين ومذاهبهم التي باتت لا تُعَد ولا تُحصى أيضاً، فلو كان أي إسلام من هذه "الإسلامات" المطروحة هو الإسلام الصحيح لرأينا آثاره الطيبة في أخلاق أتباعه وفي العلاقات فيما بينهم، ولكننا لم نر "أي فئة" مسلمة قد اتصفت في أخلاقها وفي العلاقات حتى فيما بين نفس أتباع هذه الفئة بالصفات الطيبة الراقية التي أنتجها الإسلام الذي نزل على النبي (ص) . 

فالعداوت والتكالب على المصالح هي السِّمة الأبرز بين جميع الفئات المسلمة والإسلامية حتى من نفس المذهب الواحد بل والفئة الواحدة من المذهب الواحد والتي تدَّعي كل منها أن "الإسلام" هو المنهاج الذي تعتمده في حياتها وسياستها وسيرتها!!

إقرأ أيضًا: هل شعوب منطقتنا العربية فاسدة بطبعها ؟!

الإسلام الصحيح الذي نزل من السماء قد مات بوفاة رسول الله (ص)، ولم يبق ممن يعتمده إلا أفراد متفرقون هنا وهناك في كل زمن، يعيشون مرارات الحياة بسبب تمسُّكهم بدينهم، وهم بذلك يقبضون على جمارٍ متَّقِدة، والظلم الأكبر يأتيهم من مُدَّعي الإسلام على اختلاف أنواعهم ومذاهبهم وفرقهم وفئاتهم التي هي ليست سوى فِرقٍ شيطانية تُحارب إسلام السماء بسيفه وآياته: "ظلم ذوي القربى أشد، وظُلمُ ذَوي القُربَى أشَدُّ مَضاضةً على المَرء مِن وَقعِ الحُسَامِ المُهَنَّـدِ".

عندما تجد أن أي دعوة "بإسم الإسلام" لا تجعل من أتباعها أخوة قد تآلفت قلوبهم "حقيقة" ولم تجعلهم كالروح الواحدة والجسد الواحد الذي إذا شكا منه عضو تداعت سائر الأعضاء بالسهر والحمى، ولم ترفع من بينهم العداوة والبغضاء، فضلا عن أن تكون سببا للعداوة والبغضاء، ولا تجعل من أتباعها رسل سلام بني الإنسان، فاعلم أنها دعوات شياطين تريد أن توقع بيننا العداوة والبغضاء رغم الزينة الإسلامية التي زُيِّنَت بها، واعلم أنها إسلامات لا تستحق منك سوى أن تدوس عليها بقدمك وتسحقها بكل عزمك وترمي بها في أقرب سلة مهملات حتى لا يقع أي بريء فريسة لها.