كل شيء في لبنان بات مقطوعاً الكهرباء مقطوعة والماء مقطوعة والشارع مقطوع والحياة السياسية مقطوعة لذا يصح أن نقول أننا في بلد مقطوع
 

ورث اللبنانيون عن الثوريين الشرقيين حالة الإضراب عن كل شيء طالما أن لاشيء متوفر في البلاد الفقيرة وتلك المُصابة بداء الإستبداد، كأن كل شيء معرض للتكسير من إشارات المرور الى المحلات التجارية والمباني الحكومية بطريقة إنتقامية تعكس رغبة ثورية عارمة في قتل كل شيء حيّ في البلاد.
مع بروز الوعي اللبناني الحزبي تعرض لبنان لفوضى الاعتراض عليه بالتظاهر والتنديد وقطع الطرقات والإعتصامات وشهدت مرحلة الحرب الأهلية تصعيداً كبيراً باتجاه النيل من الشأن العام بإقتلاع الأشجار المتوفرة وأعمدة إشارات المرور وقطع الطرقات و إحراق الدواليب والإعتصام بالشوراع والإساءة الى كل شيء يخدم المواطن ولا يضر بالسلطة.

إقرأ أيضًا: حزب الله سلاح غير شرعي
منذ ذلك الوقت وكل الفئات اللبنانية ساهمت في ذلك وبفنون خاصة بكل جهة من الجهات التي تعاقبت على الإعتراض على الأوضاع المُزرية في البلد وقد اشتركت كل الجهات بهذه اللعبة ولا مجال لإستثناء أحد من ملّة الأحزاب والطوائف فالجميع أحرقوا الدواليب وافترشوا الشوراع واعترضوا وأساؤوا للشأن العام وهدموا بمعول الإعتراض المراكز الحكومية كتعبير جنوني عن غضب ضدّ الدولة لا ضدّ السلطة فحسب.
بعد أن استراح الثوريون القدامى من مهامهم النضالي ضدّ الدولة وبعد أن أفرغوا كل شحنات الموت في الحرب ولد مناضلون أعادوا الكرة بركل كرة الإعتراض في الشارع ويكفي استحضار مشهد جماعتي 8 و14 آذار عقب خروج الجيش السوري وما لحق ذلك من تطورات دفعت بالمتخاصمين النزول الى الشارع وتعطيل البلاد .
على هامش الإنقسام اللبناني أصبح تعطيل الحياة العامة أمراً طبيعياً فكل جهة تملك حق قطع الطرقات وحرق الدواليب وأسر الناس في البيوت والأجهزة المختصة تقف عاجزة عن القيام بدورها نتيجة أن القاطعين للطرق هم من أهل السلطة ولا قدرة على مواجهة فرد محسوب على جهة وهكذا دخل لبنان من جديد في دوامة الطريق المقطوع ولأسخف الأسباب.
المشايخ يقطعون الطرق لإحياء مناسبات دينية والمعلمون يعتصمون ويعطلون المدارس لأسباب حقوقية والنقابات والجمعيات وأصحاب الفانات والنقل المشترك والعائلات المستقوية ويكاد أن لا يمر يوم واحد في لبنان دون قطع طريق من جهات كبيرة أو صغيرة بحيث أصبح قطع الطريق موضى لبنانية لا بديل عنها فكل من يريد يستطيع قطع الطريق والإعتصام دون أن يكون لأحد قدرة على المنع.

إقرأ أيضًا: شرم الشيخ وشورما بيروت
وهذا الفعل السلبي يتحول الى سلاح قوي ضد الناس الذين يتعرضون دوماً للإساءة من منفذي قطع الطرق ولا يتوفر أي رادع لحماية الناس من أذى الغاضبين على أشياء تخصهم فأي سائق فان بمقدوره أن يقطع الطرق وأن يضرب من يريد عدم الإلتزام بمنع المرور ويتصرف يطريقة تؤكد أنه هو المالك للشارع وعليك أن تخضع له و إلاً تعرضت للإهانة والضرب بعصاه الغليظة والتي يملها جميع السائقين لأنهم يستخدمونها كثيراً المواطنين.
مثل السائق كمثل أي فرد في أي جهة سياسية يفعل ما يحلو له طالما أن ذلك مسموح في قاموس القوى النافذة والمتفقة على إبقاء لبنان خارج إطار الدولة ويعمل لصالح العائلات السياسية وهذا ما يُعزز من سياسة الفوض المنظمة والتي تحرس سلطات القائمة في كل حيّ لبناني وفي كل مركز سياسي وطائفي حتى البيوتات الدينية تعمل بالطريقة التي تخدم فيها الآلهة التي تُذكر فيها وإلا ما معنى أن يقطع شيخ طريقاً على الناس باسم الشعائر الدينية وكأن الشعيرة لا تُخدم إلا بالشوارع وبالتالي من الذي أعطاه حق قطع طريق ومنع الناس من المرور بواسطة حواجز لم يضعها الله؟
وهكذا كل شيء في لبنان بات مقطوعاً الكهرباء مقطوعة والماء مقطوعة والشارع مقطوع والحياة السياسية مقطوعة لذا يصح أن نقول أننا في بلد مقطوع.