في لبنان نفتقر لمقومات الدولة الأساسية وهي العدالة, وسلطة القانون, والعمل بالدستور بدون تمييز بين الموانين, وكيان الدولة والمؤسسات الدستورية العاملة, وبسط سلطة الدولة بالسلاح الشرعي وحده دون غيره من هنا لا يمكننا إيقاف النزعا الخطرة التي تهدد الأمن الداخلي الإقتصادي والوضع الأمني أيضاً. فيصبح الإستعداد إلى ما هو قادم بلا نتيجة كوننا غارقون بالنقائض والسوء ضد مصالحنا الوطنية الخاصة. 
إن تحركات وتصرفات الرئيس دونالد ترامب توحي بأن عقوباته على حزب الله تعتبر جزء من حربه المفتوحة على إيران. كما أن الكونغرس الأمريكي يسعى لإادة النظر في الإتفاق النووي مع إيران تبعاً لما وعد ناخبيه به خصوصاً أن الإتفاق النووي مع لاإيران تسوده الكثير من الشوائب والفجوات التي تشكل لترامب ملعباً وأوَّل هذه الشوائب هي العقوبات المصرفية والمالية على طهران وثانيها تجارب الصواريخ البالستية الإيرانية التي لا تعتبرها إيران مشمولة بالإتفاق بينما يعتبرها ترامب من أسلحة الدمار الشامل. ولكن ترامب يصف الإتفاق النووي مع إيران الذي قام به الرئسي الأمريكي السابق "باراك أوباما" ب "الأسوأ" كونه لميشمل المنظمات التابعة لإيران والتي تمولها إيران والتي تصنفها الإدارة الأمريكية ب "الإرهابية". ومن ضمن هذه المنظمات منظمة "حزب الله". وإن طُبِّقت الإجراءات الأمريكية كما تم الذكر سابقاً, فإن العقوبات ستكون أصعب وأشد وستخرج آثارها عن دائرة حزب الله المالية وفق ما تتخوف منه الحكومة اللبنانية والمصارف. وعندها سيكون نافلاً قول أن حزب الله يعتبر جزء من المكوِّن الوطني اللبناني وأن له قاعدته الشعبية ونوابه ووزراؤه. أو أن "مصرف لبنان وهيئة التحقيق الخاصة يطبقان قوانين منع تبييض الأموال ومكافحة الارهاب". الاجراءات العقابية غير ملزمة لبنان ومصارفه. "ومن لا تروقه ليتوقف عن التعامل مع المصارف الاميركية". هذا لسان حال وزارة الخزانة الأميركية.

إنَّ إيران تشعر بفرح كبير إزاء تعامل الرئيس الأمريكي ترامب مع حزب الله إذ يعطيه بعد إقليمي في المنطقة. ولكن ليس مفهوماً حتى الأن ما يقوم به حزب الله للتكيف مع العقوبات وإبعاد مخاطرها رغم إدراكه أنها واقع لا مفر منه خصوصاً أن إيران نفسها لم تستطع تفادي هذه العقوبات التي أضعفتها إقتصادياً وزادت الفقر والمشاكل الإجتماعيَّة. وأن دول حليفة لأمريكا لم تستطع الهروب من هذه العقوبات ودفعت مصارفها غرامات بقيمة عشرات المليارات. ولم تستطع سوى أن تستجيب للقرارات الأمريكية لتبقى على تواصل مع النظام المصرفي الأمريكي. ويكفي القول أن ميزانية مصرف واحد من هذه المصارف تفوق ميزانية لبنا وميزانية المصارف مجتمعةً في لبنان والناتج المحلي معاً مئات المرات.
أما عن الإستعراض العسكري الذي قام به حزب الله في الجنوب مؤخراً على مرأى من القوات الدولية فإن الهدف منه إعلامنا أن إسرائيل انتقلت في حربها مع "حزب الله" إلى الدفاع عوضاً عن الهجوم.كما أن حزب الله كان يعلم أن ما قام به يتزامن مع سلسلة ظروف مناوئة له وهي:
-  نقاش الكونغرس الأميركي لتشديد لائحة العقوبات عليه. 
- جولة وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس في المنطقة موفداً من ترامب لإيداعه تقريراً والبناء عليه. 
- نقاش مجلس الأمن الدولي الوضع في الشرق الأوسط وتركيز مندوبة الولايات المتحدة على إيران والحزب ودورهما في المنطقة. 
- الاتصالات التي يجريها لبنان في واشنطن على أكثر من صعيد تلافياً للائحة عقوبات جديدة. 
- ردة فعل محتملة على الخطوة من الأمم المتحدة التي لم تتأخر في اعتبارها خرقاً لقرار مجلس الأمن 1701.
ثم الزيارة التي قام بها رئيس الحكومة سعد الحريري إلى الجنوب بعد تلك العراضة، مصحوباً بوزير الدفاع وقائد الجيش، كانت كمن يطلب براءة ذمة من المجتمع الدولي تأكيداً لمرجعية دولة وسلطانها على أراضيها والتزامها القرار 1701.

أسوأ ما يمكن اللجوء إليه من عقوبات على هذه المرة نرى احتمالاً في الآتي:

أولاً: أن يُرغَم مصرف لبنان على وقف المقاصة بالدولار الاميركي. فمقاصة المصارف المركزية تكون بعملاتها التي لها حق إصدارها والتحكم بها وسحبها من التداول. أما الدولار الأميركي فعملة الولايات المتحدة ومجلس الاحتياط الفدرالي. وشأن الأخير شأن مصرف لبنان مع الليرة. معني برقابة الكتلة النقدية في داخل الولايات المتحدة وخارجها. وبطبيعة استخدام الدولار الأميركي، وحامليه، وغاياتهم، وقنوات عبوره في النظام المالي والمصرفي الدولي، وفي النظام المصرفي والمالي الأميركي خصوصاً. لو حصل هذا الاحتمال فعقوبة قاسية على لبنان، لا نعلم الملاذ منها في بلد زهاء 65 في المئة من ودائعه بالعملة الأميركية. واقتصاده شبه مدولر استثماراً وانتاجاً واستهلاكاً. الخزانة الأميركية تعلم أن مقاصة مركزية بالدولار الأميركي تحجب عنها رقابة تبادل الشيكات المصرفية بعملتها وبأسماء أصحابها والمستفيدين منها والمصارف التي تتبادل الشيكات في الغرفة المقفلة، بدلاً من الممر الإجباري في مقاصة نيويورك. ومآل الشيكات النهائي بالدولار الأميركي سيعبر ذلك الممر. إنما برقابة مستأخَرة تريدها الخزانة مستقدَمة. نحسب أن الأجهزة الأميركية والاستخبارات المالية لديها لائحة ميوممة بالمستفيدين من المقاصة وبالأسماء أفراداً ومؤسسات وأشخاصاً إعتباريين. وتعلم تلك الأجهزة أن لبنان مازال وحده في العالم يعتمد الحسابات الرقمية المكتومة الأسماء.

ثانياً: توسيع العقوبات لتشمل كيانات اقتصادية واجتماعية محسوبة على حزب الله، سيعقد الأمور على الحزب والمصارف ومصرف لبنان. وسيلحق ضرراً بالغاً بالاقتصاد لا قِبل على احتوائه. غضَّت الخزانة الأميركية الطرف عن هذا الأمر في 2016. الحديث عن شمول العقوبات أحزاباً حليفة للحزب قد يكون مبالغاً فيه. هناك سياسيون حلفاء مشمولون أفراداً بالعقوبات. أما أن تصل العقوبات إلى حركة أمل كما تردد في وسائل إعلام، فأمر مستبعد لأكثر من اعتبار لا تسقطه الإدارة الأميركية من حسابها. إن حصل العكس، فنحن أمام استراتيجيا جديدة تستهدف لبنان. وعند ترامب جديد في كل يوم.

ثالثاً: استنفد مصرف لبنان سياسة مسك العصا من الوسط. ليس في وسعه إرغام المصارف على اجراءات من خارج قانون النقد والتسليف. تدابير 2016 كانت "تسوية بالرضا والقبول". من بين "أغراض الهندسة المالية" الشهيرة تعويض المصارف ما ترتّب على اقتفاء أثر العقوبات. لكن من يعوض لبنان واللبنانيين؟ الجواب عند حزب الله.