في 16 إبريل، يحتفل المسيحيون في شتى أنحاء العالم بعيد القيامة، العيد الأهم في الديانة المسيحية، والذي يُعرف كذلك بعيد الفصح وعيد البصخة.
 

ارتبط عيد القيامة دائماً بالكثير من المسائل المهمة، تلك التي أثارت خلافات ونقاشات عديدة ما بين طوائف المسيحية المختلفة وبعضها البعض.

في هذا المقال، نحاول أن نستعرض عدد من تلك النقاط، مثل الأحداث التي يتم الاحتفال بذكراها في أسبوع الآلام، وطريقة تحديد ميعاد عيد القيامة، وبعض العادات والظواهر المرتبطة به.

كيف يتم تحديد ميعاد عيد القيامة؟

أحد الملامح المميزة لعيد القيامة، هو أنه لا يأتي في ميعاد ثابت سنوياً كما هو الحال مع الكثير من الأعياد والمناسبات الدينية الأخرى.

اختلاف ميعاد عيد القيامة من عام لأخر يعود إلى الطريقة التي استخدمتها الكنائس المختلفة لتحديده، فمنذ القرن الثاني الميلاد، جرى نقاش وجدال ما بين الطوائف المسيحية المختلفة بخصوص الكيفية التي يُحدد بها توقيت هذا العيد.

في الوقت الذي قامت فيه كنائس أسيا الصغرى وكيليكيا وسوريا والعراق بالاحتفال بعيد الفصح اليهودي في 14 أبريل، وبعيد القيامة في يوم 16 أبريل بشكل ثابت، فإن الكنائس الشرقية وعلى رأسها كنيسة الإسكندرية قد حددت ثلاثة معايير لتحديد ميعاد عيد القيامة.

هذه المعايير الثلاثة هي أن يوافق العيد يوم أحد، وأن يأت بعد دخول فترة الاعتدال الربيعي وأن يكون عيد الفصح اليهودي قد سبقه، وظل هذا الاختلاف قائماً ما بين الشرقيين والغربيين حتى تم عقد مجمع نيقية في عام 325م، حيث تقرر في هذا المجمع أن يتم توحيد ميعاد الاحتفال بعيد القيامة، وأن يتم الاعتماد على الطريقة التي تنتهجها كنيسة الإسكندرية.

وقد ظلت تلك هي الطريقة الوحيدة المعتمدة في الفترة من 325م وحتى نهايات القرن السادس عشر، ذلك أنه وفي عام 1582م تحديداً، تنبه بابا روما جريجوري الثالث عشر أن هناك خطأ في تقدير مدة السنة الشمسية، وأن مدة هذا الخطأ تقدر بعشرة أيام كاملة، وتم تصحيح ذلك الخطأ في الكنائس الغربية.

فأصبح الاعتدال الربيعي يأت في 11 مارس بدلاً من 21 مارس، وصار المسيحيون الغربيون يحددون ميعاد العيد بشكل فلكي ولا يرتبطون في تحديده بعيد الفصح اليهودي، بينما أصر المسيحيون الشرقيون على الالتزام بالقواعد الثلاثة السابقة الذكر.

ومنذ ذلك العام عاد الاختلاف مرة أخرى ما بين الكنائس الشرقية والغربية فيما يخص موعد الاحتفال بالعيد، ويعتبر عام 2017م، من الأعوام القليلة التي تتفق فيها الكنائس الشرقية والغربية جميعها في احتفالها بعيد القيامة، ذلك أن كليهما سوف يحتفل بالعيد في يوم 16 من شهر أبريل الجاري.

أسبوع الآلام

اعتاد المسيحيون على الاحتفال بالأسبوع الذي يسبق عيد القيامة، حيث يرمز كل يوم من أيام هذا الأسبوع لذكرى معينة مهمة في الدين المسيحي.

وقد تمت تسمية ذلك الأسبوع بأسبوع الآلام، من النص الوارد في إنجيل متّى، والذي يقول: "لأن الرب يسوع قد قاسى في هذا الأسبوع آلاماً مره في نفسه وجسده معاً".

ينتهي الأسبوع الذي يسبق أسبوع الآلام، بيوم السبت الذي يعرف بـ"سبت لعازر"، وفي هذا اليوم قام المسيح بمعجزة كبيرة عندما أقام شخص توفي منذ أربعة أيام يدعى ليعاز من الموت، وفي يوم الأحد الذي يعرف بـ"أحد الزعف" أو "الشعانين"، يبتدئ أسبوع الآلام، حيث يتم الاحتفال بذكرى دخول المسيح لمدينة أورشليم، وكيف أن أهلها قد خرجوا لاستقباله بزعف النخيل.

يوم الإثنين، والذي يُعرف بيوم السلطان، هو اليوم الذي شهد زيارة المسيح للهيكل المقدس في أورشليم، وتحكي الأناجيل عن غضبه الشديد بسبب ما شاهده من قيام التجار بالبيع والشراء في الساحة المقدسة للهيكل، وهو ما جعله يتعرض لهم ويطردهم ويلقي بضاعتهم على الأرض، وذلك حفاظاً على قيمة ومكانة الهيكل الدينية.

أما في يوم الثلاثاء، فقد حاور المسيح عدداً من الكهنة والفريسيين اليهود الذين حاولوا أن يثبتوا جهله، وأشهر ما قيل في تلك المجادلة، إنه عندما سئل أحد الكهنة المسيح عن حكم الجزية، وجواز اعطائها للقيصر الروماني، وذلك في محاولة لتوريطه في مشكلة مع الرومان، فان المسيح رد عليه قائلاً: "اعط لقيصر ما لقيصر، واعط لله ما لله".

وفي يوم الأربعاء، قام يهوذا وهو أحد تلاميذ السيد المسيح بالاتصال بعدد من زعماء اليهود الذين أرادوا الايقاع به، واتفق معهم على خيانة سيده مقابل مبلغ من المال، وبحسب قول إنجيل متى، فقد كان يهوذا "منذ ذلك الوقت يطلب فرصة ليسلمه".

أما يوم الخميس، فيعرف باسم "خميس العهد"، وفيه اجتمع المسيح مع تلاميذه، وغسل أرجلهم، وتناول معهم العشاء الأخير، والذي كان مكون من الخبز والخمر، ويعتقد المسيحيون أن الخبز كان يرمز للحم المسيح وأن الخمر كان يرمز لدمه.

وفي هذا اليوم تنبأ المسيح بخيانة يهوذا له، كما تنبأ بان تلميذه المخلص بطرس سوف ينكره ثلاث مرات قبل فجر اليوم الجديد، وبعد ذلك كله، تم إلقاء القبض على المسيح من قبل الجنود الرومان.

أما يوم الجمعة، فتعرف باسم "الجمعة العظيمة" والجمعة الحزينة، ويعتقد المسيحيون أنها قد شهدت محاكمة السيد المسيح أمام رؤساء الكهنة اليهود، ثم تمّت تلك المحاكمة أمام الوالي الروماني بيلاطس النبطي، والذي خيّر اليهود ما بين العفو عن السيد المسيح أو العفو عن المجرم باراباس، وأنهم قد اختاروا العفو عن الثاني، وطالبوا بيلاطس بصلب المسيح.

فوافق الوالي الروماني على عملية الصلب، وتم اقتياد المسيح حيث تم جلده ووضع تاج الشوك على رأسه، وانتهت أحداث ذلك اليوم بصلبه وموته بحسب الاعتقاد المسيحي.

أما يوم السبت، فهو يمثل نهاية أسبوع الآلام، ويُعرف بـ"سبت النور"، وقد شهد حزن أسرة المسيح وتلاميذه على وفاته.
وتنتهي كل تلك الأحداث بيوم الأحد الذي يعرف بـ"أحد القيامة"، والذي شهد قيامة المسيح من الموت وظهوره لمريم المجدلية، وهو اليوم الذي يحتفل المسيحيون فيه بعيد القيامة.
عيد القيامة وشم النسيم

لفظة "شم النسيم" ليست بمعنى استنشاق الهواء العليل كما يعتقد معظم الناس، ولكنها في الحقيقة جملة غير عربية، ذات أصل لغوي قبطي، وتتكون من ثلاثة مقاطع وهي (شوم ان نسيم) بمعنى بستان الزروع.
وعيد شم النسيم هو عيد مصري قديم كان معروفاً فيما قبل دخول المسيحية إلى مصر، وهو يرتبط بشكل رئيس بدخول فصل الربيع، وكان يتم الاحتفال به في فترة الصوم الكبير المقدس عند المسيحيين.
وبعد انتشار المسيحية في مصر بشكل كامل في القرن الرابع الميلادي، واجه المصريون المسيحيون مشكلة في الاحتفال بهذا العيد، لأن الصوم يتعارض مع تناول البيض واللحوم الحيوانية التي تميز الاحتفال بشم النسيم، وحاول المصريون أن يتغلبوا على تلك المشكلة بتعديل ميعاد عيد شم النسيم، فقاموا بتأجيل ميعاده لما بعد انتهاء فترة الصوم الكبير، ليتم الاحتفال به في يوم الإثنين الذي يلي يوم أحد القيامة.
وقد ارتبطت بعيدي القيامة وشم النسيم عدد من الطقوس الخاصة بتناول الطعام، لعل من أهمها تناول البيض وتلوينه، وفي الحقيقة إن ارتباط عيد القيامة بالبيض ليس مقتصراً على مصر وحدها بل إنه أمر منتشر في العديد من أنحاء أوروبا أيضاً.
والسبب في ذلك يعود لفترة ما قبل انتشار المسيحية، حيث كانت الشعوب الوثنية القديمة تستقبل فصل الربيع، ومع مجيئه تحتفل بأعياد الخصوبة، فكان يتم الاكثار من تناول البيض لكونه يرمز للتجدد وبدء الحياة.
وكان المسيحيون الأوائل يقومون بتلوين البيض بلونين فقط، وهما اللون الأحمر الذي يرمز لدم المسيح، واللون الأخضر الذي يرمز للربيع، ولكن بعد ذلك بدأت عادة تلوين البيض تتسع، وصار البيض يلون بالعديد من الألوان.
النور المقدس

أحد أهم النقاط المثيرة للجدل والمرتبطة بالاحتفال بعيد القيامة، هي معجزة النور المقدس أو النار المقدسة التي تظهر في قبر المسيح يوم سبت النور من كل عام.
ففي هذا اليوم جرى الاعتياد على دخول بطريرك الروم الأرثوذكس إلى مكان قبر المسيح في كنيسة القيامة ومعه مجموعة من الشمعات، ويتم التأكد قبل دخوله من كونه لا يحمل معه أي وسيلة يستطيع عن طريقها أن يشعل النار.
وبعد فترة من الانتظار، يخرج البطريرك وقد اشتعلت الشمعات التي يحملها، ويبدأ الحضور في اشعال شمعاتهم من شمعات البطريرك، وقد ذكر الكثير ممن حضروا تلك الوقائع أن نار تلك الشموع لا تحرق ولا تؤذي الجلد ولا تنتج عنها حرق أو سخونة، أي إنها نور وليست نار.
ويعتبر المسيحيون أن تلك المعجزة ترمز لتذكرة كيف هزم المسيح الموت بقيامته، وكيف أن تلك القيامة كانت نور جديد بدد به ظلمات الحياة.
وقد بدأ توثيق تلك المعجزة بشكل رسمي منذ عام 1106م، وجرى العرف على القيام بطقوسها كل عام، ولكن في الفترة التي سيطر فيها الصليبيون على فلسطين وتولوا المناصب الدينية فيها، توقفت تلك الظاهرة عن الحدوث، وهو ما جعل الصليبيون يعيدون منصب البطريركية للروم الأرثوذكس مرة أخرى، خشية أن تتأثر عوائد الحج إلى كنيسة القيامة.
وقد أنكر الكثير من المسيحيين الغربيين وقوع تلك المعجزة وشككوا فيها، بينما أكد عليها المسيحيون الشرقيون، واعتبروها دليلاً على صحة أفكارهم وموافقتها للدين المسيحي القويم.
ورغم كل الاختلافات المتعلقة بتحديد توقيت عيد القيامة، وبالمعجزات والعادات المرتبطة به؛ فإن ذلك العيد يبقى الأهم لدى أكثر من إثنين مليار مسيحي يعيشون في جنبات متفرقة من العالم، وفي هذا العام سيحتفلون معاً في 16 نيسان.
المصادر: العهد الجديد؛ اضمحلال الإمبراطورية الرومانية لإدوارد جيبون؛ تاريخ الفكر المسيحي لحنا جرجس الخضري؛ الدسقولية لوليم سليمان قلادة؛ تاريخ أقباط مصر لعزت أندراوس.