لم تعرف محافظة قنا إلا الهدوء منذ ما يقرب من 24 عاماً، بعد توقف العمليات المسلحة، التي تستهدف السياحة في تسعينيات القرن الماضي. إلا أنها عادت وتصدّرت المشهد المصري بعد اتهام السلطات 16 شخصاً من أبنائها بالضلوع في تفجير الكنائس، وبانضمامهم إلى تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).

وأعلنت وزارة الداخلية أسماء خلايا "داعش" التي قالت إنها تورّطت في تفجير كنيستي مار جرجس في مدينة طنطا، ومار مرقس في الإسكندرية، الأحد الماضي، وأسفرت عن مقتل 45 شخصاً وإصابة 126 آخرين. واعتبرت الوزارة، في بيان لها، أن هذه الخلايا لها علاقة بتفجير الكنيسة البطرسية الملاصقة للكاتدرائية المرقسية بالعباسية، في ديسمبر/كانون الأول الماضي.

ويبرز في بيان وزارة الداخلية، أن منفذ تفجير كنيسة مار مرقس في الإسكندرية، ويدعى محمود حسن مبارك عبدالله (مواليد 28 سبتمبر/أيلول 1986) في قنا، يقيم في حي السلام بمنطقة فيصل بمحافظة السويس، وهو عامل في إحدى شركات البترول. ويشير البيان إلى أن هناك 15 آخرين من نفس المحافظة متهمون بالتورط في العملية لكنهم هاربون.

وشهدت محافظات الصعيد موجة عنف كبيرة في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، وتحديداً في استهداف السياحة الأجنبية. وكانت محافظة قنا أقل مشاركة في هذه العمليات المسلحة. ولكن يبقى السؤال في معرفة هل تمكن تنظيم "داعش" من اختراق الصعيد وتجنيد عناصر هناك؟

 لا يمكن استبعاد الآراء التي تشكك في رواية وزارة الداخلية، في ظل تكرار إصدار بيانات تحتوي على معلومات يثبت عدم صحتها في وقت لاحق. ويعزز التشكيك في رواية الداخلية، استبدال الوزارة اسم المسؤول عن هذه الخلايا التي فجّرت كنائس (البطرسية والمرقسية ومار جرجس)، بمتهم هارب يدعى عمرو سعد عباس إبراهيم (مواليد 18 نوفمبر/تشرين الثاني 1985) في قنا، وحاصل على دبلوم فني صناعي، وهو زوج شقيقة الانتحاري منفذ عملية الكنيسة البطرسية. وكانت الرواية الأمنية عقب تفجير الكنيسة البطرسية تذهب إلى أن المتهم الرئيسي هو مهاب مصطفى السيد قاسم، واسمه الحركي "الدكتور".

وقال محامي الجماعات الإسلامية، ممدوح إسماعيل، إن هذا الأسلوب في التعامل يحدث لأول مرة منذ 24 عاماً، ومن شأنه أن يضرب السياحة في قنا، إذ حكم رئيس المحكمة العسكرية، اللواء وجدي الليثي، في الماضي، بإعدام سبعة من أعضاء الجماعة الإسلامية في حادثة لم يقتل فيها أحد. وأضاف إسماعيل، في تدوينة عبر موقع "فيسبوك"، أن إعدام السبعة المشار إليهم، أشعل الأوضاع في الصعيد واستمرت العمليات حتى حادث الأقصر (اعتداء استهدف سياحاً عام 1997)، مبيناً أن "دموية حكم العسكر (هي) طريق حرب أهلية في مصر"، وفق تعبيره.

من جهته، قال خبير أمني، لـ"العربي الجديد"، إن توغل تنظيم "داعش" في الصعيد أمرٌ ليس بالجديد، لأن التنظيم الإرهابي لا يعتمد على التجنيد الجغرافي في منطقة محددة، وإنما يقوم بذلك بفضل الإنترنت. وأضاف أن ما يثير القلق هو تجنيد عناصر من محافظة قنا، لا سيما أن المحافظة يحكمها، إلى حد كبير، نظام قبلي، فلا يمكن أن تحدث فيها عمليات تجنيد، إلا إذا كان المتهمون الهاربون على علاقة ببعضهم البعض، "فهنا تسهل عملية التجنيد"، وفق قوله. ورأى الخبير الأمني أن مواجهة توغل "داعش" في الصعيد أمر أكثر صعوبة من الوادي والدلتا، لأن طبيعة أهل الصعيد الكتمان وصعوبة المواجهة، بخلاف محافظات وجه بحري التي تبدو عملية مكافحة "داعش" فيها أسهل نسبياً، وفق تقديره. وأشار إلى أنه، لكي تتمكن العناصر الهاربة من تنفيذ مخططها، لا بد من ترْك مقر إقامتها في محافظة قنا، لأن كل شيء بالمجتمع القبلي يكون معروفاً، وفق تعبيره.

 وتابع الخبير أن التقصير الأمني واضح تماماً، إذ إن الأجهزة المعنية لا تتحرك إلا بعد وقوع التفجيرات. وطرح الخبير تساؤلات عدة تتمثل في معرفة "أين كانت الأجهزة الأمنية في رصْد تحركات هذه الخلايا خلال الإعداد ورصد الكنائس؟"، و"هل لا توجد خلايا أخرى لداعش في الصعيد أو من أبناء الصعيد سوى في محافظة قنا؟". وانطلاقاً من ذلك، طالب بضرورة الحذر من وجود خلايا أخرى، بحسب قوله.

في المقابل، شكك الخبير السياسي، محمد عز، في رواية وزارة الداخلية لناحية التوصل لأسماء أفراد الخلية بشكل محدد ودقيق من دون القبض على أحد أفرادها. وقال لـ"العربي الجديد" إنه لم يتم القبض على متهم واحد لكي تكون أسماء أفراد الخلية منطقية، حتى أن عمرو سعد عباس الذي أصبح المتهم الرئيسي بدلاً من مهاب مصطفى، ورد اسمه في قائمة المتهمين بتفجير البطرسية من دون القبض عليه. وأضاف أن هناك علامات استفهام حول القدرة على تجميع أسماء نحو 20 متهماً من دون أي رابط أو سند قانوني ومنطقي على تورطهم في تفجير الكنائس.

وطالب عز وزارة الداخلية المصرية بالكشف عن ملابسات إدراج هذه الأسماء كمتهمين في قضية التفجيرات، مستدركاً أن الرابط الوحيد هو أن أغلبهم من محافظة قنا، وربما يكون هناك علاقة صداقة أو زمالة مع منفذ تفجير الكنيسة المرقسية، عمرو سعد، وبالتالي تكون أسماؤهم قد وردت في القضية في هذا السياق، وفق قوله. وأشار إلى أن الوزارة اعتادت نشر معلومات حول تصفية عناصر إرهابية، وسرعان ما يكتشف الجميع أنهم كانوا مختفين قسرياً، وهو أمر بات يشكك في مصداقية وزارة الداخلية، وفق تعبيره.