ما كان يُعتبر حلماً بالنسبة إلى غالبية اللبنانيين بات واقعاً يقترب أكثر وأكثر، خصوصاً مع وجود إرادة داخلية لضبط الحدود اللبنانية - السورية تترافق مع دعم بريطاني تقني وتدريبي بدأت نتائجه تظهر تلقائياً.في كل المراحل التي مرت على لبنان، وفي عزّ الأزمات السياسية والأمنية، كانت الشكوى دائمة من تفلّت الحدود اللبنانية - السورية، ونقل السلاح لإثارة القلاقل وبث الفتنة والتقاتل، ومن جهة ثانية كانت تلك الحدود معبراً سهلاً لتجار المخدرات والأسلحة والعصابات بمختلف إختصاصاتها.
 

بدّلت الحرب السورية مسار التعاطي مع الحدود، إذ إنّ هناك قراراً سياسياً لبنانياً أولاً، ودولياً ثانياً، بضبطها الى الحدود القصوى، وقد تُرجم هذا الأمر بتجهيز أفواج الحدود البرية المختصّة بهذه المهمّة، وكانت التجربة البارزة في تلال رأس بعلبك حيث خاضت مواجهات مباشرة مع «داعش» وخرجت منتصرةً.

بعد فوجَي الحدود الأول والثاني، تردّد الحديث منذ مدّة عن تجهيز فوجَي الحدود الثالث والرابع، والجديد في هذا الموضوع أنّ أعمال هذين الفوجَين وإنتشارهما إنطلقا، وبات الكلام عنهما عملياً لا مجرّد مشاريع مستقبلية.

في إجتماع اليرزة أمس الأول، تحدث البريطانيون عن تدريب 11 ألف عسكري لبناني للمساعدة في مراقبة الحدود وتجهيزهم بأحدث التقنيات المراقبة، وأعلن السفير البريطاني هيوغو شورتر أنّ 70 في المئة من الحدود باتت مضبوطة.

وفي نظرة الى خريطة إنتشار أفواج الحدود الأربعة، يكشف مصدر عسكري رفيع لـ»الجمهورية» كيف توزعت وطريقة عملها والمهمات المنوطة بها.
بالنسبة الى الحدود الشمالية، أي في وادي خالد، فإنّ فوج الحدود الأول كان منتشراً أصلاً منذ مدة وتمّ تعزيزه، خصوصاً عند المعابر بغية وقف التسلّل وضبط عمليات التهريب وإنتقال المقاتلين.

أما فوج الحدود البري الثاني فبقيَ في نقاط المراقبة التي نصبها في عرسال ورأس بعلبك وبعض التلال المحيطة، وتابع تنفيذ المهمات الموكلة إليه. أما الفوجان الثالث والرابع اللذان باشرا مهماتهما، فقد إستكملا مراقبة الحدود على طول السلسلة الشرقية من دون إستثناء أيّ منطقة.

وقد تم بناء أكثر من 50 نقطة مراقبة ورصد، خصوصاً في التلال والمعابر التي تمّت السيطرة عليها، وبالتالي تراجعت عمليات التسلّل والتهريب الى أدنى مستوياتها، في حين تطلّب الإنتشار بعض الوقت نظراً الى طبيعة المناطق والدقّة التي يحتاجها إختيار النقاط والتجهيزات اللوجستية.

ويلفت المصدر العسكري الى أنّ هذه النقاط ستزداد وفق الحاجة، فقد تصل الى المئة وأكثر، وكل ذلك رهنٌ بما يتطلبه الميدان، خصوصاً أنّ البريطانيين يقدمون الدعم الى الأفواج بسخاء، والأميركيون لا يبخلون في تقديم الأسلحة التي يطلبها الجيش.

مع إنتشار الأفواج الأربعة على طول الحدود يُطرح سؤال عن وضع عمليات هذه الأفواج في منطقة تنفيذ القرار 1701، إضافة الى طريقة التعامل مع المعابر الشرعية مثل المصنع وهي في عهدة أجهزة أخرى.

وفي هذا الاطار، يوضح المصدر العسكري أنّ منطقة القرار1701 لا يشملها الإنتشار، إذ ينتشر فيها نحو 15 الف عسكري لبناني و15 ألف عسكري من قوات «اليونيفيل»، وبالتالي فإنّ وضعها مستقرّ والحدود مضبوطة فيها وتخضع لمعايير مغايرة.

وبالنسبة الى المعابر الشرعية ونقطة «المصنع» اللبنانية ـ السورية تحديداً، يؤكد المصدر أنها ستبقى في عهدة الجمارك والأمن العام وستكون أفواج الحدود قوة مؤازَرة ودعم في حال حصول أيّ طارئ أو تطلّب الأمر مساعدة، في وقت يشمل عمل أفواج الحدود المسائل الحربية بالدرجة الأولى وإقفال الحدود والقضاء على عمل العصابات، والتصدّي لأيّ عمل إرهابي أو تسلّل مجموعات مسلّحة من سوريا.

في الخلاصة، يبدو أنّ القرار دوليّ بإغلاق الحدود، وهذا الأمر يترافق مع جهوزية في المؤسسة العسكرية لمتابعة المرحلة الدقيقة، إذ إنّ غياب أيّ عنصر من العنصرين كان سيضرب خطة الإنتشار والضبط.