منذ توقيف رَجل الأعمال اللبناني قاسم تاج الدين في مطار المغرب ونقلِه إلى أميركا للتحقيق معه في ملف شراكته المالية مع «حزب الله»، اعتبَر متابعون أنّ ما حدث هو رسالة تدشين بداية مسار تصعيديّ في الحرب الأميركية الناعمة ضدّ الحزب، وسيكون لها تتمّات في المديَين المنظور والمتوسّط. كذلك جاء الهجوم الصاروخي الأميركي على مطار الشعيرات في حمص ليضيف جدّيةً على احتمال أن تكون إدارة الرئيس دونالد ترامب ذاهبةً فعلاً في اتّجاه شراكة مع إسرائيل في حرب «تقليم أظافر» إيران في المشرق العربي، عبر ضربِ كلّ أذرعِها فيه.
 

ترى هذه المصادر أنّ انتقاء مطار الشعيرات تحديداً لقصفِه بصواريخ الـ»توماهوك»، تضمّنَ رسالة أميركية للردّ على اعتراض دمشق للمرّة الأولى، أخيراً، الطائرات الإسرائيلية المغيرة على محيط مطار الشعيرات الذي توجد في جزءٍ منه قواعد روسيّة.

بمعنى آخر، إنّ رسالة ترامب بضربِ الشقّ السوري من المطار، وتوجيه ضربة معنوية للوجود الروسي فيه من دون مسِّه مادّياً، تحمل بين أهدافها ردّاً على توقيع موسكو السياسي اعتراضَ الأسد للطائرات الإسرائيلية المغيرة.

وحرصَت إسرائيل على تأكيد هذا الربط حينما تقصَّدت «تطوير رسالة ترامب» بإعلانها بعد 12 ساعة من تنفيذ الهجوم الأميركي، دعوةَ مجلس الحكومة الإسرائيلي المصغّر للانعقاد للبحث في ملفّ كانت تتجنّب إسرائيل فتحَه منذ العام 2011، وهو إمكانية تدخُّل إسرائيل المباشر في الأزمة السورية لكبحِ تمدّدِ النفوذ الإيراني نحو حدودها مع سوريا.

وقراءة هذه التطوّرات توحي بجزء منها، أنّ إسرائيل عادت إلى النظرية الأساسية المستخلَصة بعد حرب 2006، وهي أنّ ضرب «حزب الله» عسكرياً يُحتّم ضربَ عمقِه السوري، وحرمانه من خط إمداده الاستراتيجي.

وكتتِمّةٍ لهذه النظرية، يلاحَظ تعاظُم سعيِ أصدقاء إسرائيل داخل لجان الكونغرس لرفع العقوبات المالية ضد «حزب الله» إلى حدّها الأقصى، وذلك تحت عنوان أنّ خنقَ «حزب الله» ماليّاً داخل قلعتِه اللبنانية المصاحَب لضربِ عمقِه الاستراتيجي في سوريا، يؤدّي إلى إضعاف الحزب من وجهة نظر الخطة الإسرائيلية التي هناك مؤشّرات قوية الآن إلى أنّ ترامب يُسايرها.

وفي المعلومات التي بات جزءٌ منها معلَناً، أنّ هناك الآن مشروعي قرار في كواليس الكونغرس الأميركي، الأوّل قدّمه سيناتور فلوريدا ماركو روبيو، والثاني قدّمه رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي، وهما متشابهان لجهة إدراجهما بنوداً تُعبّر عن التوجّه إلى تشديد الحصار المالي على «حزب الله»، وضربِ بيئته المباشرة وغير المباشرة، وجعلِ الدولة اللبنانية شريكةً في هذه المعركة، وإلّا طاوَلتها العقوبات.

والنقطة الأخيرة تحاول التطابق مع النظرية الإسرائيلية التي استجدّت بعد حرب 2006 وتعاظمت بعد انتخاب العماد ميشال عون، حليف «حزب الله» رئيساً للجمهورية، والتي تطالب بأن تكون مؤسّسات الدولة اللبنانية العامة ومرافق البلد السياحية والتجارية ضمن أهداف أيّ حربٍ إسرائيلية مقبلة على «حزب الله» في لبنان، لأنّه من دون إيذاء الدولة اللبنانية ودفعِها إلى اتّخاذ موقف من الحزب، فإنه يصعب توقُّع حسمٍ عسكري كلّي وسريع ضدّ الحزب.

وما يبدو لافتاً في مشروعَي القانونين الأميركيَين اللذين لم يصِلا بعد إلى مرحلة تشريعِهما في الكونغرس ومجلس النواب، هو أنّه للمرّة الأولى تتمّ إضافة حركة «أمل» إلى بنك أهداف الحرب الأميركية المالية ضد «حزب الله».

يقول مشروع القانون: «يجب مطاردة أموال «أيّ شخص قيادي في «حزب الله» وحركة «أمل»، والواجهات الماليّة المرتبطة بهما». والأمر الثاني المستجد فيهما أو في أحدهما على الأقلّ، هو «دعوة وزارة المالية الأميركية إلى استخدام كلّ الوسائل الجدّية والاستخباراتية الاستعلامية للاستعانة بأيّ دولة أو مؤسسة حكومية أو غير حكومية أو مصدر يمكن إيجاده لتجميع هذه المعلومات» عن الجهات السالفة التي تريد أميركا حظر أموالها.

علماً أنّ القانونين أو أحدهما على الأقلّ يطلب تجميعَ معلومات عن موجودات قيادة «حزب الله» خلال ستة أشهر، وبين هؤلاء الأمين العام للحزب وقيادييه ووزرائه ونوابه وأيّ شخص قيادي في حركة «أمل» ومتّصلين بها.

والأمر الثالث اللافت هو أنّهما يتضمّنان بنوداً تدعو إلى ضمِّ المصارف المركزية وليس فقط المصارف العادية، للمشاركة في عدم التعامل مع قياديي «حزب الله».

السؤال المقلِق المطروح حالياً في لبنان ويتمّ انتظار طبيعة الإجابة الأميركية عليه، هو هل يتمّ عند رفعِ مشروعَي القانونَين إلى الكونغرس لتشريعهما، شطبُ البنود المغالية فيهما، وإبقاء سقفِ تصعيد الحرب الناعمة الأميركية ضد الحزب عند حدود ما فعَلته إدارة الرئيس السابق باراك اوباما، أي انتقاء أهداف لا تمسّ بالاقتصاد اللبناني ولا بالشيعة ككلّ في لبنان، ولا تُحرج الدولة اللبنانية تجاه مكوّن أساسي فيها هو الذراع السياسي لـ«حزب الله»؟

أم أنّ ترامب ذاهب إلى رفعِ حدّة التصعيد إلى درجةٍ تصبح حركة «أمل» متساوية في نيلِ العقوبات مع «حزب الله»، ويصبح مطلوباً من مؤسسات الدولة اللبنانية أن تصبح شريكةً في هذه الحرب، ولو تمَّ ذلك على حساب عدم مراعاة هزّ استقرار البلد.

السيناريو المتوقّع هو أنّ مشروعَي القانونَين سيتمّ دمجُهما لدى رفعِهما لتشريعهما في الكونغرس، ليُصار إلى اعتمادهما ضمن قانون واحد. والمتفائلون يعتقدون أنّه سيتمّ صوغ قانون متمّم لمكافحة تمويل «حزب الله» من دون الزيادات المتعلقة بحركة «أمل» وبجعل مصرف لبنان المركزي والدولة واللبنانية والمؤسسات الإنسانية التابعة للحزب مشمولةً فيه.

لكنّ أوساطاً أُخرى ترى أنّ ترامب من خلال قصفِ مطار الشعيرات قدّم «رسالة نيّات وخطوط حمر»، لدمشق وإيران وموسكو هدفُها إظهار أنه ليس أوباما، فهل تأتي رزمة العقوبات المالية الجديدة على «حزب الله» وحركة «أمل» في إطار تأكيد ترامب رسالة نيّاته التصعيدية وخطوطه، عاليةَ السقفِ ومتّسمةً بأنّها تخرق ما هو مألوف عن ثوابت السياسة الأميركية تجاه المنطقة ولبنان؟.