القانون الانتخابي يختبر الحكومة، ومعه تدخل في أصعب امتحان؛ إمتحان صدقيّتها وقدرتها وتضامنها وتماسكها وتعزيز ثقة المواطن فيها!
 

هو الامتحان الأصعب بلا ادنى شك، ومع ذلك الحكومة محكومة في هذا الامتحان بسلوك أحد طريقين؛ فإمّا أن تنجح في انتشال القانون من قعر الخلافات والتناقضات والتجاذبات فتُكرَم. وإمّا أن تفشل وتثبت ضعفها وعجزها فتُهان، طبعاً بالمعنى السياسي والمعنوي.

هو الامتحان الأصعب، لأنّ الحكومة امامه ستخرج منه مُهشّمة، ومُحرَجة، ومكسورة المعنويات إذا ما أكدت بفشلها الاعتقاد السائد بأنها «لن تشيل الزير من البير»!

ولأنّ المكتوب يُقرأ من عنوانه، فقد حام التشكيك – قبل التئام الحكومة – بإمكان نجاحها في مهمتها المستحيلة لصياغة قانون انتخابي بمعايير وتقسيمات تراعي كل الاتجاهات والمكوّنات السياسية:

• لأنّ تجربة البحث الانتخابي على مدى الاشهر الماضية أثبتت فشلها جرّاء الذهنية التي حكمت مقاربة بعض الاطراف لهذا الملف.

• لأنّ الحكومة، نأت بنفسها عن المقاربة المباشرة لقانون الانتخاب دون أيّ مبرّر مقنع، ولم تقرّر التصدي لهذا الملف طوعاً، بل سيقت اليه بالإكراه، أو من باب رفع الإحراج، وتبعاً لذلك هي لا تملك، أو لم توحِ أنها تملك صيغة جديدة تطرحها في مجلس الوزراء، مختلفة عن تلك الصيغ التي سبق وتراكمت وتساقطت واحدة تلو الأخرى على حلبة الرفض المتبادَل لها.

وبالتالي فإنّ انعقاد الحكومة لمجرّد الانعقاد والعودة مجدداً الى مقاربة الصيَغ المجرَّبة والمرفوضة والمعروفة النتائج مسبقاً، ليس لها سوى معنى وحيد: تضييع متعمَّد للوقت وإشغال اللبنانيين بما ليس منه طائل.

• لأنها -أي الحكومة- صورة مكبّرة عن اللجنة الرباعية التي فشلت، أو فُشِّلت في بناء مساحات انتخابية مشترَكة، وأقرّت بالتالي بعجزها على اختراق جدار المصالح المتضاربة، والشخصانية الحاكمة والمتحكِّمة ببعض الأطراف، والتقسيمات والصيَغ الإلغائية أو الأحاديّة الجانب.

• لأنها -أي الحكومة- تشكل الصورة العاكسة لغالبية المكوِّنات السياسية، وبالتالي تعقيدات وتناقضات ومطبّات ومعطِّلات القانون الانتخابي موجودة في داخلها، بحيث كل طرف يرتدي قميصه الانتخابي ويرفض أن يخلعه حتى ولو كان هذا الخلع، هو السبيل الوحيد للخروج من الأزمة.

فكيف في ظلّ هذه «التوزيعة» أو الخريطة المتناقضة أن يتحقق الاختراق المطلوب بصياغة قاسم انتخابي مشترك، لا بل قبل ذلك، كيف ستُبنى إرادة الذهاب الى هذه الصياغة؟

في هذا الجوّ المسدود، تنعقد الحكومة للحفر في الصخر الانتخابي، بإبرة رفيعة تنعدم معها إمكانية المجازفة بتوقع إيجابيات أو رسم ملامح تفاؤل، ولو شكلي، إلّا إذا:

• عاد عقل الرحمن واحتل بعض الرؤوس الحامية، وبرّد اعتراضاتها وطروحاتها الى الحد الذي يمكن التوافق حوله.

• ابتدع رئيس الحكومة سعد الحريري مبادرة انتخابية قادرة على جذب كلّ الأطراف اليها، وتُسجَّل له كإنجاز إنقاذي يحمل اسمه؛ ليس كإنجاز آني بل إنجاز للأجيال المقبلة.

• قرّر رئيس الجمهورية ميشال عون النزول شخصياً الى الحلبة الانتخابية، فيكون المبادر الأول الى طرح صيغة استثنائية ليس فيها غالب ومغلوب، وطرف مهيمن ولاغٍ لغيره، وطرف يشعر أنه مُلغى أو مُهمّش أو مُحجّم، وغير ذلك من صفات من هذا القبيل، بما يحقق للعهد إنجازه الانتخابي الذي يبحث عنه، ويحقق لسائر الأطراف والمكوّنات عدالة وشمولية في التمثيل، وللبنان مساحة استقرار في قانون انتخابي دائم وليس كقانون موقت على ما درجت العادة طيلة السنوات الماضية!

في غياب المبادرة المطلوبة، سيكون النقاش الحكومي في الملف الانتخابي مضبوطاً على إيقاع الصيغ القديمة؛ الرئيس نبيه بري عاد الى صيغة المختلط التي طرحها ( 64-64) مع أنه ليس القانون الذي يطمح اليها.

تيار «المستقبل» ضربة على سندان المختلط وضربة على مسمار النسبية في المحافظات في العلن، وفي العمق قانون الستين أولاً. «حزب الله» حسم خياره نحو النسبية الكاملة على مستوى لبنان دائرة واحدة أو في المحافظات أو في الدوائر الموسّعة أو المتوسطة. التيار الوطني الحر متمسّك بصيغه رئيسه جبران باسيل، مع أنها فشلت في حياكة التوافق المطلوب عليها.

وأما وليد جنبلاط فلا يقبل بقانون يناقض في جوهره الأفكار التي أودعها بري والتي يقبل فيها بدمج جزئي في الجبل (الشوف وعاليه)، وإلّا فقانون الستين نافذ ولتُجرَ الانتخابات على أساسه وآخر ما يُقال في محيطه في هذا الأمر «إذا كنت معارِضاً لقانون الستين النافذ ولا يوجد بديل عنه، يأتي مَن يقول لا تطبّقه. يعني إذا كان المواطن معارضاً لقانون السير فهل يمتنع عن الوقوف على الإشارة؟

هذه التلوينة المختلفة والمعقّدة والثابتة على ما هي عليه، لا تشجع على الرهان على إمكان تصاعد الدخان الأبيض من المدخنة الحكومية، بل على العكس من ذلك، خصوصاً وأنّ مستويات سياسية باتت تجزم أنّ رياح التمديد لمجلس النواب بدأت تهب فعلياً، واجتماع الحكومة ليس مخصّصاً لإيجاد المخرج الانتخابي بقدر ما هو مخصّص لصياغة إخراج للتمديد.

هنا يبرز السؤال عن موقف رئيس الجمهورية؟

التمديد ممنوع، هذه هي قناعة عون ولا رجعة عنها. والقريبون منه يؤكدون أنّ القانون الانتخابي إذا كان يتطلب توافقاً، فالتمديد يتطلب توافقاً أيضاً وهذا ليس متوفّراً ولن يتأمّن طالما التيار الوطني الحر لن يمشي به.

ويقول آخرون إنه حتى ولو انعدمت كل الخيارات ولم يبقَ إلّا التمديد فلن يتأخر رئيس الجمهورية في قطع الطريق عليه عبر استخدام صلاحياته الدستورية.

وليضع من خلالها البلد الجميع أمام معادلة جديدة»: إما القانون وإما الفراغ؟ ولكن ماذا لو ظلّ القانون مستعصياً، فمَن يقدر أن يتحمّل مسؤولية الفراغ والى أين يمكن أن يقود البلد؟