لا واشنطن تريد مواجهة روسيا ولا موسكو تحبذ الدخول في حرب باردة جديدة مع الولايات المتحدة الأميركية.
 

بعد الغياب الأميركي عن الأزمة السورية منذ انطلاقتها في العام 2011 ، ها هو الرئيس الأميركي دونالد ترمب يعيد واشنطن إلى الميدان السوري من باب مطار الشعيرات ومتسلحا بالجانب الأخلاقي وبحس إنساني ليوجه رسالة إلى كافة الأطراف المنخرطة في الحروب السورية  مفادها أن قواعد اللعبة تغيرت.

إقرأ أيضا : ابو 100ألف صاروخ
 ويقول أن أميركا دخلت الساحة السورية لتنتصر للعدالة  حيث وجه خطابا للعالم أجمع وإلى الشعب الأميركي على وجه الخصوص بعد الضربة الصاروخية من السفينتين الأمريكيتين في البحر المتوسط التي استهدفت قاعدة الشعيرات في محافظة حمص من منزله في فلوريدا فوصف رئيس النظام السوري بشار الأسد بالديكتاتور.
 وقال ترمب :" بإستخدام غاز الأعصاب القاتل انتزع الأسد أرواح رجال ونساء وأطفال لا حول لهم ولا قوة "  وأكد الرئيس الأميركي أن " من مصلحة الأمن القومي الحيوية للولايات المتحدة الأميركية منع وردع إنتشار واستخدام الأسلحة الكيماوية القاتلة ".

إقرأ أيضا : ضربة ترمب على سوريا ... بين حسابات القانون الدولي ووظيفة أميركا في العالم
وكانت سفينتان حربيتان قد أطلقت حوالي الساعة الرابعة من صباح يوم الجمعة الماضي بتوقيت سوريا 59 صاروخا من نوع توماهوك من شرقي البحر المتوسط على مطار الشعيرات العسكري الذي انطلقت منه الطائرة السورية المحملة بالسلاح الكيماوي وشنت هجوما على بلدة خان شيخون بمحافظة إدلب يوم الثلاثاء الماضي وأزهقت  أرواح المئات بين قتيل وجريح. 
وفي معرض الردود الأولية على الضربة الأميركية فمن الطبيعي أن حلفاء الولايات المتحدة الأميركية أيدوها بقوة فرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أكد على دعم إسرائيل بالكامل للضربات الأميركية معتبرا أنها رسالة قوية يجب أن تسمعها إيران وكوريا الشمالية أيضا. 

إقرأ أيضا : لماذا أمر ترامب بضرب سوريا؟
فيما رحبت المملكة العربية السعودية وقطر والكويت ودولة الإمارات المتحدة بالضربات وكذلك فإن مواقف دول أوروبا الغربية بغالبيتها وصفت هذه الضربة الأميركية بأنها رد فعل يتناسب مع استخدام النظام السوري المشتبه فيه لأسلحة كيماوية. 
أما إيران وهي حليفة النظام السوري فقد نددت بالهجوم ووصفته بالمدمر والخطير أما روسيا فقد سارعت الى الإعلان عن عزمها على تعزيز الدفاعات الجوية السورية وقال رئيس الوزراء الروسي ديميتري ميدفيديف أن " الهجوم الاميركي على قاعدة الشعيرات الجوية كاد أن يؤدي إلى اشتباك مع القوات الروسية. "
علما بأن أي من الجنود الروس المتواجدين في القاعدة والذين يقدر عددهم بالعشرات لم يصب بأذى جراء الضربة الأميركية. 
وعقد مجلس الأمن الدولي جلسة بطلب من موسكو لبحث تطورات الأزمة السورية حيث شهدت تشنجا واضحا في المواقف بين مندوب روسيا ومندوبي الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا. 
وقد حذرت المندوبة الأميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي من أن بلادها مستعدة لتنفيذ مزيد من الضربات كلما استخدمت القوات النظامية السورية الأسلحة الكيماوية. 

إقرأ أيضا : بشار الأسد يختبأ بملجأ بعد الضربة الأميركية
وبغض النظر عن الردود الدولية على الضربة الأميركية والمتفاوتة بين المؤيد والمعترض والمحايد فإن كافة الأطراف المعنية بالشأن السوري أجمعت على أن هذه العملية لن تكون سببا مباشرا بحرب قريبة منطلقها سوريا  وهي ليست أكثر من عملية عسكرية لتحسين الوضع السياسي الأميركي وللإستثمار على الصعيدين الدبلوماسي والعسكري. وهي بالتالي ضربة مفاجئة أحادية وخاطفة ومحدودة الأهداف والمساحة وتحمل في طياتها رسائل عدة داخلية وخارجية. 
فالرئيس الأميركي وجد في مجزرة خان شيخون فرصته للخروج من مأزق تصاريحه السابقة معلنا أن الإدارة الأميركية الجديدة للبيت الأبيض لن تسير على خطى ادارة أوباما  وحين ترى أن عليها التدخل ستتدخل. 

إقرأ أيضا : حرب جديدة بين إيران وأمريكا
وفي ما خص روسيا فالضربة الأميركية هي إنذار أول إليها بأن عهد أوباما قد انتهى  وبأن الرئيس الجديد إذا ما قال فعل  وأن الإدارة الجديدة ستتعاطى بحزم ولن تأخذ بعين الاعتبار المشاعر الروسية كما الإدارة السابقة. 
وكذلك فهي رسالة إلى القيادة الإيرانية بأن تخضع للحل السياسي وتنسحب من سوريا وتضغط على حزب الله والفصائل الأخرى التابعة لها للانسحاب أيضا  فلا مستقبل لهم في سوريا. 
وهي رسالة أخيرة للنظام السوري بأن الدفاعات الروسية غير قادرة على حمايته في حال قررت الإدارة الأميركية ضرب أهداف سورية وهي قادرة على ذلك. 

إقرأ أيضا : الضربة الأميركية كانت ضرورية، إلاّ أنّها غير كافية.
وفي مطلق الأحوال فإن هذه الضربة الصاروخية الأميركية بالرغم من أنها محدودة الزمان والمكان لن تؤدي إلى نشوب حرب ولكنها قد تشكل بادرة أمل للحل السياسي في سوريا. 
فلا واشنطن تريد مواجهة روسيا  ولا موسكو تحبذ الدخول في حرب باردة جديدة مع الولايات المتحدة الأميركية.