الضربة الأميركية على سوريا بحسابات القانون الدولي والمصلحة الأميركية والأمر الواقع.
 

لم تنته المئة يوم الأولى من عهد الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترمب على هدوء بل لا زال الرجل يثير العواصف الداخلية والخارجية ويفتح جبهات للنزاع والقتال في أكثر من منطقة.
والحقيقة التي يجب على الجميع الإعتراف بها هي أن ترمب شخص من الصعوبة أن تتوقع أفعاله وتصرفاته وخططه المستقبلية ولعل ما قالته النيويورك تايمز في هذا المجال أفضل تعبير عن هذا الواقع فعبرت بالقول أن " ترمب قلب السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأميركية رأسا على عقب خلال 24 ساعة بعد الضربة الأميركية على سوريا". 

إقرأ أيضا : ما هي أهمية قاعدة الشعيرات.. ولماذا استهدفتها اميركا؟

الضربة بين القانون الدولي والأمر الواقع:

تأتي الضربة العسكرية الأميركية على مطار الشعيرات العسكري بحمص والتابع للنظام السوري كرد بحسب أميركا على المجزرة الكيماوية التي حصلت في خان شيخون بإدلب والذي وجهت الإتهامات فيها إلى النظام السوري.
ولفهم هذا التغيير الأميركي المفاجىء لا بد من قراءة الدور الأميركي في العالم ككل والذي يمارس وظيفة حددت له بعد الإنتصار في الحرب العالمية الثانية وهو وظيفة " شرطي العالم " وتكرس هذا الدور بعد إنهيار الإتحاد السوفياتي.
وهذه الوظيفة تسمح لأميركا وحدها أن تتحرك عسكريا وإقتصاديا ضد أي دولة صاحبة سيادة من دون الرجوع للأمم المتحدة وبالطبع لا يوجد نص قانوني بذلك بل يوجد شبه تسليم دولي بهذا الأمر الواقع بحجج الدفاع عن حقوق الإنسان والفيتوات الموجودة وهذا ما حصل في العراق ب 2003 وما حصل بسوريا منذ يومين بمطار الشعيرات.

إقرأ أيضا : حسابات ترامب أكبر من كيماوي الأسد
يضاف إلى هذا التسليم بهذا الدور حقيقة أخرى أن الأمم المتحدة وقوانينها " المثالية " تحاكي فقط العالم الشمالي من الكرة الأرضية أي دول العالم الأول والمتطور والملبي لشروط الديمقراطية والمدنية والحضارة الإنسانية.
أما في العالم الثالث فهذه القوانين ستفرمل وستجد من الصعوبة بمكان تطبيقها كمثلا طلب الإذن من حكومة معينة صاحبة سيادة  بالتدخل في حالات القمع، فقانونيا يجب أخذ الإذن لكن واقعا وفي ظل ظروف القتل والإجرام اليومي تسقط هذه القوانين ويصبح التدخل العسكري الأحادي ضروريا بنظر العديد من الأطراف خصوصا إذا كان مطلبا من فئات شعبية معينة أيضا داخل هذه الدولة.
وهذا ما ينطبق على سوريا وكل دول العالم الثالث " المتخلف ".
ومثال آخر عندما يصبح الفيتو في الأمم المتحدة مبررا للجريمة لا رادعا لها هو ما حصل من مجازر إرتكبها الجيش الإسرائيلي في قانا  وجنين وغيرها المئات، هنا القانون الدولي يسمح لأميركا كما سمح لروسيا بإستخدام الفيتو لكن القانون الإنساني والأخلاقي أهم من القانون الدولي في هكذا حالات خصوصا بعالم الدول الثالث.

 

وربطا بالموضوع القانوني ، يحاول البعض أن ينسى أن أميركا قبل الضربة على سوريا تمتلك 4 قواعد عسكرية لها في سوريا ولديها على الأرض أكثر من 2000 جندي من قوات المارينز وطائراتها تحلق في الأجواء السورية وكل هذا من دون إذن أو تنسيق مع حكومة بشار الأسد ومع هذا قبيل الضربة بأيام كان بشار الأسد على إستعداد للتواصل مباشرة مع ترمب بحسب ما نقلت جريدة الأخبار المقربة من محور الممانعة والمفترض أن ترمب  يمثل رمزا للإحتلال ولكن لا يوجد مشكلة لدى النظام في التواصل مع المحتل.

إقرأ أيضا : لماذا أمر ترامب بضرب سوريا؟
قد يجده البعض تناقضا في الموقف النظامي السوري  وهو هكذا لكنه أيضا تعبير عن أن دول العالم الثالث لا ينطبق عليها معايير الأمم المتحدة ولو أراد البعض الإلتزام بشروط الأمم المتحدة الصعبة والمقيدة للتدخلات العسكرية سنكون حينها أمام مشهد حمامات الدم التي عاشته سوريا طوال السنوات الأولى للأزمة حتى الضربة الكيماوية الأخرى.
أضف إلى ذلك، أنه ليس من حق النظام الكلام والتنظير بموضوع السيادة في ظل المعطيات التالية والتي توهن حججه أمام الرأي العام العربي والعالمي وهي كالتالي:
1- أكثر من 50% من جغرافيا سوريا خارج سيطرته.
2- المناطق المحسوبة له كدمشق وحلب والساحل العلوي تسيطر عليها وتديرها روسيا وإيران.
3- تواجد للقوات التركية في الشمال السوري وسيطرتها على مناطق تصل إلى حدود حلب من دون إذن حكومي سوري.
4- تواجد أميركي عسكري مع 4 قواعد عسكرية من دون إذن سوري.
5- طيران خليجي في ظل التحالف الدولي على الإرهاب في عهد أوباما نفذ عدة ضربات في الأجواء السورية ولم يحرك النظام ساكنا دفاعا عن سيادته .
6- غارات إسرائيلية على عدة أهداف للنظام من دون رد  وتنسيق أمني إسرائيلي - روسي من دون علم النظام أو رضاه لأنه لو كان راضيا عن هذا التنسيق سيدخل نفسه في معضلة أخلاقية سياسية جديدة.

إقرأ أيضا : الضربة الأميركية كانت ضرورية، إلاّ أنّها غير كافية.
هذه المعطيات تؤكد أن نغمة السيادة وتكرارها هي من أجل الرأي العام المؤيد لسياسة محور الممانعة وبالتالي بحكم الأمر الواقع يدرك النظام وكامل المحور أن ما يحق لأميركا في هذا المجال لا يحق لغيرها وعندما تتحرك أميركا بهكذا خطوة فهذا يعني تغييرا خطيرا في سياسة " الصبر الإستراتيجي " التي تبنتها إدارة الرئيس السابق باراك أوباما.

 

 

أهداف الضربة:

أما وأن الضربة قد حصلت فالنقاش يجب أن يكون حول الأهداف والجدوى.
ولا شك بأن عقلية ترمب " التجارية " لها آثارها في هذه الضربة فهو ليس من باب إنساني صرف بل من منطلق حسابات المقايضة وتحريك المياه الراكدة في الملف السوري.
ويريد ترمب من تلك الضربة المدروسة تحقيق عدة أهداف:
1- رسم خطوط حمراء جديدة أمام النظام السوري وحلفائه.
2- الدفع بعملية الإنتقال السياسي  إلى الأمام قدما وغير واضح إلى الآن نية لدى ترمب بتغيير الأسد في هذه الآونة - معظم التصريحات الأميركية ذات الشأن تحكي عن مستقبل الأسد في الحكم على المدى الطويل - بعكس ما يروج إعلاميا المحور المتحالف مع أميركا.
3- وضع معادلات سياسية جديدة خصوصا على خط التواصل الروسي - الأميركي حول سوريا.
4- حسابات لترمب داخلية جعل الرأي العام والإعلام الأميركي والحزب الديمقراطي يؤيده في خطوته في ظل الإشتباك اليومي مع هؤلاء منذ إنتخابه.

إقرأ أيضا : خان شيخون، بشار - كويت، صدام
لذلك لم تكن الضربة بهدف التدمير وأعتقد أن لا أحد يشك بقدرة أميركا على التدمير وهي التي تمتلك أعتى قوة عسكرية في العالم بل كانت بهدف سياسي واضح تم ذكره وأشبه ما يكون ب " فركة أذن ".
وهي أيضا تعبير عن أن " أميركا أولا " هو شعار رفعه ترمب ويريد تطبيقه في كل العالم وليس فقط داخل الولايات المتحدة كما أخطأ البعض في حساباته وفي طليعتهم حلفاء أميركا التقليديين.
لذلك يبدو أن الرجل من طينة الرجال الذين لا يعالجون المرض العضال بالإسبرين دائما بل يعتمد على الإستئصال أحيانا.

إقرأ أيضا : ما لا تعرفونه عن صواريخ توماهوك...
وستظهر في سلم أولويات " أميركا أولا " بالنظرة الترمبية محاربة تنظيم الدولة الإسلامية وكل ما يستفز وظيفة أميركا " الخالدة " ك " شرطي " العالم حتى لو ضحكت هذه الأميركا على شعوب العالم " المتخلف " بأكاذيب إنسانية فهذا لا يمنع أن الشعوب " المتخلفة " ما هي إلا إنعكاس لأنظمة " ديكتاتورية " تمارس الظلم والجريمة بفن كل يوم.
وباللحظة التي تتوقف هذه الأنظمة عن إجرامها وترحل نستطيع حينها القول بأننا مطابقين لشروط الأمم المتحدة " المثالية "  في عالم الإنسانية اليوم.