منذ أن قال الرئيس الاميركي دونالد ترامب  أنه غيّر  موقفه كثيراً من سوريا والرئيس بشار الاسد في أعقاب الهجوم الكيميائي على خان شيخون الثلاثاء الماضي، دار جدل حول ما إذا كان ترامب أوحى بذلك أنه كان يدعم الاسد ويؤيد بقاءه في السلطة ولا يعتبر إزاحته أولوية أميركية، كما افصحت المندوبة الاميركية لدى الامم المتحدة نيكي هايلي، أم أنه كان يلمح فقط الى أنه قرر التخلي عن الحياد السابق او اللامبالاة تجاه سوريا ومستقبل نظامها.

الغارة الصاروخية الاميركية على مطار الشعيرات العسكري جنوبي حمص، الذي إنطلقت منه الطائرة السورية المحملة بالسلاح الكيميائي، الثلاثاء الماضي، لا تحسم هذا الجدل، ولا تنهيه ، لكنها فقط تخرج ذلك السلاح المحظور من معادلة الحرب السورية..ربما لبضعة أسابيع أو أشهر  كحد أقصى ، على ما جرى قبل ثلاثة أعوام عندما أعلن المجتمع الدولي أن سوريا باتت خالية تماماً من الغازات السامة، تنفيذا لقرار مجلس الامن الرقم 2118، قبل ان تظهر أدلة جازمة على أن نظام الاسد عاود إستخدام تلك الاسلحة على أكثر من جبهة من جبهات القتال. في تدميره مطار الشعيرات، قدم ترامب البرهان على تغيير عملي محدود في موقفه، وهو تغيير جوهري بالمقارنة مع سلوك سلفه باراك أوباما، الذي لم يكترث يوما للمذبحة السورية، بل شجع الاسد على مواصلتها.. لكنه ليس كافياً للتكهن في الخطوات اللاحقة التي سيتخذها الرئيس الاميركي الجديد في أعقاب تلك الضربة الموضعية، المنسقة سلفاً مع موسكو، والتي لا تمس في العمق الدور الروسي في سوريا ولا تتحداه، لا سيما وأنه سبقها بساعات بيان رسمي للكرملين، كان بمثابة الضوء الاخضر لواشنطن، يعلن بوضوح ان دعم روسيا لنظام الاسد ليس "بلا شروط"، ولا يبرر الاستخدام "المحزن جدا" لسلام الكيميائي.

الضربة الاميركية على مطار الشعيرات السوري الذي أفرغه الروس من معظم طائراته وطياريه قبل ساعات من إستهدافه، توفر فرصة ذهبية لترامب لكي يقدم نفسه كرئيس حازم ، قوي، حتى في مواجهة أصدقائه الروس الذين ساهموا بشكل او بآخر بوصوله الى البيت الابيض، وهي مساهمة ما زالت تخضع إدارته للحرج أمام الرأي العام والتحقيق في الكونغرس.. الذي يمكن ان يقرر الان أن يعيد النظر في تلك المسألة برمتها، او يؤجل البحث فيها الى حين، مفسحاً المجال لترامب لتنظيم علاقاته مع الرئيس فلاديمير بوتين.

في الدقائق والساعات التي اعقبت الغارة الصاروخية، لجأ الاعلام الاميركي الى الكثيرين من المسؤولين الاميركيين الحاليين والسابقين، والى الخبراء والباحثين، الذين أجمعوا على ان أميركا ليست في صدد الدخول في مواجهة بوتين، بل هي تطمح فقط الى تغيير سلوكه الفظ، وهي تاليا لا تنوي إسقاط بشار الاسد الان ، وليس لديها مثل هذه الخطة او مثل تلك الاولوية ، بل هي تهدف فقط الى تغيير سلوكه الوحشي الذي لا يمكن التسامح معه، حسب تعبير ترامب.

لن تؤدي الغارة الاميركية الى تعديل جذري في مسار الحرب السورية. هي بلا شك تحرم الاسد من أحد أهم عناصر قوته العسكرية، السلاح الكيميائي المحرم دوليا وإنسانيا وأخلاقياً، ولو لفترة محدودة، يجري خلالها إختبار مدى إستعداده للعودة الى طاولة المفاوضات في جنيف والتوصل الى تسوية سياسية تضمن إنتقالاً سياسياً منظماً للسلطة في أعقاب إنتهاء الولاية الحالية للاسد في العام 2021.

لكنه رهان قديم، وخاسر سلفاً : لن يوقف النظام الحرب، ولن يتخلى عن أي من أسلحته، لأن ذلك يعني سقوطه الفوري. ولن تتأهل المعارضة السورية لوراثته في المستقبل المنظور، لأنها أبأس من أن تنتظم في كيان واحد..ولن يقف الايرانيون  ومليشياتهم مكتوفي الايدي، أمام تلك المناظرة الاميركية الروسية التي تستعجل إنهاء دورهم السوري، كشرط لوقف الصراع على سوريا.