لا يبدو محور الممانعة مرتاحاً الى تطوّر الأوضاع في سوريا رغم الانجازات التي حققها بمساعدة روسيا منذ تدخلها في حربها لمصلحة الرئيس بشار الأسد ونظامه.
 

 ولا يبدو مرتاحاً أيضاً الى الادارة الأميركية الجديدة رغم إيحاء رئيسها ترامب، سواء في تغريداته "التويترية" أو تصريحاته، أو في الرسالة غير المباشرة التي أرسلها الى الأسد بواسطة عضو الكونغرس تولسي غابارد في النصف الثاني من كانون الثاني الماضي، التي أكدّ له فيها "أن "داعش" والإرهاب يشكلان همّاً مشتركاً لكم ولروسيا ولنا"، وأنه "لا يمانع في التعاون معه لضربه واستئصاله وفي أن يكون لروسيا دور في ذلك".
ويعزو متابعون من قرب لحركة المحور المذكور عدم الارتياح الى أسباب عدة، منها عدم الوثوق بنهائية "الانجازات" السورية التي حققها، والاقتناع بأن الحرب الدائرة في سوريا لا تزال في مرحلة "الكرّ والفرّ"، أي بعبارة أخرى لا تزال بعيدة من الحسم. إذ بعدما ظنّ أعضاؤه وهم الأسد وإيران و"حزب الله" أنهم دخلوا مرحلة الحسم بعد "تحرير" حلب وبعد مؤتمر أستانا (عاصمة كازاخستان)، الذي يفترض أن يفتح أبواب جنيف لمؤتمر تنتهي مباحثاته بتسوية سياسية لمصلحته، إذ بعد ذلك كله خُلطت الأوراق من جديد في سوريا، وبدا للممانعين أنهم عادوا الى الوضع الذي انطلقوا منه، إذ هاجم مقاتلو "النصرة" وفصائل أخرى الموجودون في ريف حماه المدينة وهدّدوا مطارها الذي صار على مرمى أربعة كيلومترات منهم. ومن جهة أخرى نفّذ مقاتلو النظام في ريف دمشق (الغوطة)، الذين يراوح عددهم على ما يتردّد بين 20 و30 ألفا، هجوماً من جوبر في دمشق على حي العباسيين القريب وحققوا انتصارات مهمة معنوياً رغم اضطرارهم الى التراجع الى مواقعهم. ومن جهة ثالثة منع مقاتلو المعارضة على تنوعهم الجيش النظامي السوري وحلفائه من دخول مناطق استراتيجية أخرى أو من الوصول إليها، وذلك طبعاً بمساعدة أميركية واضحة أو حماية. ومن جهة رابعة استاء رئيس تركيا رجب طيب أردوغان من روسيا، اذ تدخل عسكرياً وعلى نحو مباشر بموافقتها وعندما حاولت قواته دخول مدينة منبج أوقفته. وعندما حاولت قواته الاقتراب من مدينة الرقّة أوقفته أميركا. وضاعف ذلك استياءه لأنه خشي أن يؤثر ذلك على الاستفتاء الشعبي الذي يأمل أن تحوّل غالبية الشعب التركي فيه النظام رئاسياً، وتالياً أن تجعله "سلطاناً" على بلاده وأن تقوّي إرادته لإعادة نشر نفوذها في دول ومناطق حكمتها قروناً، ولا يزال يظن أنه قادر على العودة إليها وإن بوسائل مختلفة. ومن جهة خامسة يبدو لـ"محور الممانعة" أن تدخل روسيا في سوريا قد يكون بلغ حدّه الأقصى من دون تحقيق الأهداف التي أرادها أعضاؤه، ومنها استعادة نظام الأسد السيطرة على كل سوريا، والانطلاق من ذلك لتحويل سيطرة الأمر الواقع على لبنان سيطرة رسمية بالانتخاب أولاً وبكل الوسائل الأخرى. فرئيسها بوتين أعلن منذ البداية أن هدف تدخلها منع انهيار النظام السوري. وحققت ذلك بتمكين الرئيس بشار الأسد من الإمساك بما سمته "سوريا المفيدة" المؤلفة من المدن السورية الكبرى والمأهولة بنسب سكانية عالية. وهذه السوريا صعب اختراقها أو تصغيرها اليوم لأن روسيا تحميها بقواعدها العسكرية والبحرية والجوية التي أقامتها على أراضيها ولأن "حزب الله" وميليشيات عراقية وأفغانية وباكستانية و... يعزز هذه الحماية طبعاً مع "الجيش النظامي". ويعزو المحور نفسه عدم رغبة روسيا في الذهاب أبعد بتدخلها العسكري في سوريا الى اعتبارات عدة قد يكون أبرزها رفضها الانجرار الى "أفغانستان" ثانية خشية أن تكون نتيجتها مشابها لنتيجة "أفغانستان الأولى"، أي انهيار النظام ومعه الدولة.
وما يزيد قلق "محور الممانعة" استناداً الى متابعين أنفسهم، هو أميركا. فرئيسها ترامب غيّر على ما يبدو موقفه "الإيجابي" نوعاً ما من الأسد. فكلام مندوبته الدائمة في مجلس الأمن التي هددت فيها بعمل عسكري آحادي ضد النظام السوري بعد قصف "شيخون" بالأسلحة الكيميائية ركز على ذلك. وكلامه هو عن تغيير مفاجئ في سياسة إدارته حيال سوريا أشار إليه، وهو "أن موقفي تجاه سوريا الأسد تغيّر كثيراً فالهجوم الكيميائي في سوريا الذي أودى بعشرات الضحايا بينهم أطفال تجاوز خطوطاً عدة بالنسبة إلي، فنحن نتحدث الآن عن مسألة مختلفة تماماً". ما هي الأسباب الفعلية لعدم ارتياح "الممانعة" لأميركا اليوم؟