تميزت الحركات الاسلامية في العالم العربي بكونها تقدم قضايا الامة والهموم الاسلامية العامة على قضايا الناس ومشاكلهم المباشرة، في حين تميز اليساريون والعلمانيون والقوميون، بالاهتمام المباشر بقضايا الناس والعمال والفلاحين، ويشارك اليساريون بفعالية في النقابات العمالية واتحادات الشغل، في حين يفضل الاسلاميون والحركات الاسلامية تشكيل الجمعيات الخيرية وتقديم المساعدات للفقراء او اقامة المدارس والمستوصفات الحية.

وان كان الاسلاميون نجحوا في العقود الاربعة الاخير في الدخول في النقابات المهنية (كنقابات الاطباء والمحامين والصحافيين والمعلمين والمهندسين) وذلك نظرا للاعداد الكبيرة من المتخرجين الاسلاميين في هذه المجالات المهنية.

ويبدي الاسلاميون بشكل عام، مع وجود استثناءات قليلة احيانا، اهتماما مميزا بالقضايا الكبرى كالقضية الفلسطينية او دعم المجاهدين في الشيشان وافغانستان او البوسنة او مسلمي ميانمار او الثورات الشعبية التي انطلقت في السنوات الاخيرة في عدد من الدول العربية.

لكن في المقابل يبتعد الاسلاميون عن الاهتمام بالقضايا المطلبية داخل بلدانهم، فلا نجدهم يشاركون في التظاهرات التي تنطلق احتجاجا على رفع اسعار الخبز او لوقف دعم المواد الاساسية او احتجاجا على الموازنات التي يفرضها البنك الدولي او غير ذلك من هموم المعلمين والعمال والفلاحين.

ويركز الاسلاميون على المشاركة في التظاهرات الشعبية دفاعا عن الشعوب العربية والاسلامية ولا سيما في اوقات المحن والاحداث، ويفضلون اقامة حملات التبرع لدعم شعب ما او لتقديم المساعدات للفقراء والمحتاجين، في حين انهم لا يصدرون مواقف او بيانات احتجاجا على سياسات دولهم والتي تصيب الفقراء والمحتاجين وتكون لصالح اصحاب رؤوس الاموال والبنوك.

وتفضل بعض الاحزاب الاسلامية العريقة، كحزب التحرير مثلا، على التركيز على العمل لاقامة الخلافة الاسلامية او الدولة الاسلامية المركزية، بدل الانشغال في قضايا تفصيلية داخل كل بلد عربي او اسلامي، وحتى عندما يتصدى هذا الحزب لقضية داخلية في بلد ما، فانه يربطها دوما بالصراع الاميركي – الانجليزي او بمؤمرات دولية او اقليمية.

ويستند الاسلاميون او بعض الحركات الاسلامية لتفضيل قضايا الامة على هموم الناس، على آيات قرآنية او احاديث شريفة تحض على الاهتمام بالجسم الاسلامي الواحد وانه لا يمكن للمسلم ان يبتعد عن هموم اخوته المسلمين في بقاع الارض، وهذه مسألة مهمة وضرورية، ولكن في المقابل ينسى هؤلاء الآيات والاحاديث التي تدعو للاهتمام بالفقراء والمساكين ومواجهة الذين يحتكرون الاموال او يخزنونه، او تلك التي تدعو لاقامة العدالة الاجتماعية وتلبية مطالب الناس ورفض الظلم والدفاع عن المظلومين.

قد تكون وراء سلوكيات الحركات الاسلامية او الاسلاميين اسباب عميقة او دوافع فكرية ودينية، وقد تكون احيانا التركيبة الاجتماعية والمهنية لقيادات الحركات الاسلامية وراء طبيعة الاهتمامات والاولويات، لان معظم القيادات الاسلامية الاساسية اما علماء دين او مهندسون واطباء، والقليل منهم من الطبقات الفقيرة او المهمشة او كونهم صناعيين وعمال او فلاحين، اضافة لرفض الاسلاميين اعطاء البعد الطبقي للصراعات القائمة كما هو الحال بالنسبة لليساريين والماركسيين والشيوعيين.

لكن اليوم وبعد كل هذه التطورات والاحداث التي تجري حولنا وفي ظل ازدياد موجات الفقر وانتشار السياسات الاقتصادية الظالمة وما تقوم به الحكومات العربية والاسلامية من اجراءات مالية او اجتماعية تصيب معظم الطبقات الفقيرة، الا يجدر بالاسلاميين والحركات الاسلاميين تغيير رؤيتهم ومواقفهم واعادة التركيز على القضايا التي تهم الناس مباشرة كرفع اسعار المواد الغذائية او هموم البيئة او مشاكل العمال والفلاحين او وضع الموازنات المالية التي تخدم سياسات المؤسسات الدولية او قضايا الكهرباء والماء؟

ولماذا لا نجد مشاركة فاعلة للاسلاميين والحركات الاسلاميية في التظاهرات والانشطة التي تهم مصالح الناس في بلادهم، في حين انهم ينزلون بقوة للمشاركة في اي تحرك نصرة لقضية عربية او اسلامية؟ وانا لا اطالب بأن يتخلى الاسلاميون عن القضايا العامة وهموم الامة، لكن على الاقل اعادة التوازن بين الاهتمام بقضايا الناس الداخلية وبقضايا الامة.

ما نحتاج اليه اليوم من قبل الاسلاميين والحركات الاسلامية اعادة التفكير بعمق واجراء مراجعة نقدية لادائهم خلال العقود الاخيرة، وليسألوا انفسهم: لماذا يتقدم الآخرون في الاهتمام بقضايا الناس بينما هم يظلون خارج هذا الاهتمام؟