من نصدّق حزب الله أم الوزير جبران باسيل؟
 

 وهو السؤال الذي ختمنا به "الموقف هذا النهار" أمس، يجيب عنه لبنانيون موضوعيون وغير منتمين الى "الحزب" أو الى "التيار الوطني الحر"، فيقولون أنهم يصدقون الأول ليس فقط لأنهم يحترمون مقاومته الناجحة لإسرائيل، ويخالفونه الرأي والموقف والتصرف في مسائل أخرى داخلية و"سورية". بل لأنه وفي معظم تاريخه منذ تأسيسه لا يقول شيئاً وينفذ شيئاً آخر قد يكون مناقضاً، ولأنه يتمسك بسياساته ويأخذ وقته كله لإنضاج الرأي العام عند "شعبه" ثم عند "الشعوب" اللبنانية الأخرى ودفعه الى قبول قراراته. ويقولون أيضاً أن عدم تصديقهم لباسيل ليس نتيجة كره سياسته وحقد على "تياره" بل نتيجة عاملين مهمين، الأول التقلبات التي بلغت حد الانقلاب في شباط 2006 في الخيارات السياسية والوطنية لمؤسس "التيار" العماد ميشال عون زعيمه حتى اليوم رغم تخليه عن رئاسته، وتغليب الطموحات الخاصة والشخصية على الصعيد السياسي عنده على الاعتبارات العامة. أما الثاني فهو التقلّب الى حد التذبذب في الحركة السياسية لباسيل في معركة رئاسة الجمهورية التي دامت سنتين ونصف سنة. وكان سببه الرغبة الشديدة في الوصول الى السلطة عبر "الجنرال" وذلك حصل، ثم الاعداد لخلافته عندما تنتهي ولايته. وهذا التذبذب أثار قلق الحليف الأول لتياره ولعون "حزب الله"، ولا سيما عندما كادت العلاقة بينه وبين "المستقبل" وزعيمه وراعيه الاقليمي المملكة العربية السعودية أن تصبح "سمن على عسل" كما يُقال. والقلق نفسه أثارته حركته الاميركية المباشرة وغير المباشرة. ولم يبدد القلقين إطلاعه وتفصيلاً حليفه "حزب الله" على كل ما يفعل اذ قد لا يشمل ذلك النيات والأهداف البعيدة المدى، ودفاعه الاعلامي حيناً والرسمي حيناً آخر في محافل دولية عن "المقاومة" ومهاجمته إسرائيل والتكفيريين، ولا الزيارات الاسبوعية التي تقوم بها لدمشق بشار الأسد أسبوعياً مجموعة متنوعة من 5 أو 6 مستشارين للرئيس عون قد يكون من بينهم وزير مهم. ولا يعني ذلك أزمة أو انعدام ثقة. لكن هذه هي طبيعة "الحزب" الذي علمته تجاربه العملية كما تجارب راعيته ايران الاسلامية عدم وضع "رقبته تحت يد أحد" وإن حليفاً، والذي يحاول في استمرار الاطلاع على جديد حلفائه المتنوعين كما على قديمهم وخصوصاً إذا كان معادياً تحوّطاً للمستقبل. وفي هذا المجال يلفت متابع لـ"حزب الله" من قرب أن قيادة الأخير "نقزت" عندما نقل إليها أحد قول باسيل أخيراً لعامل في الكونغرس الأميركي في جلسة استذكارية: "نحن نتذكّر الآن الماضي الجميل". علماً أنه لم يكن جميلاً عند "الحزب" وإيران وسوريا الأسد.
ويلفت أيضاً الى مقطع صغير ورد في مذكرات لأحد معاوني الرئيس الراحل بشير الجميل في مرحلة بين 1975 و1982 يطلب فيه الأخير من اسرائيل الاتصال عند الحاجة وإذا "لم يكن على السمع" بشخصين أحدهما حليف قوي لـ"الحزب" الآن. طبعاً لا يعني ذلك أن "أحدهما" هذا في وارد التنكر له أولاً لأنه لا يريد وصار مؤمناً بأهدافه غير الدينية طبعاً ورافضاً لأي تآمر عليه. وثانياً لعدم قدرته على ذلك. وانطلاقاً من ذلك كله يؤكد المتابع نفسه أن الرئيس عون سيكون جاهزاً للتدخل مع وزير خارجيته وصهره باسيل لمصلحة "حزب الله" وطرحه الانتخابي (نسبية كاملة ودوائر وسطى) وكلما أخطأ أو كاد أن يخطئ. وقد فعل ذلك أكثر من مرة قبل وصوله الى الرئاسة وبعده. والكلام الذي نقله عن لسان الرئيس مختارو "الأشرفية" بعد استقباله لهم قبل يومين أفاد أنه لطالما طمح الى قانون انتخاب قائم على النسبية الكاملة"، وإن أعرب عن استعداده لـ"قبول المختلط اذا اقتضت المصلحة الوطنية ذلك ومقومات التوافق". واذا أُعطف كلام رئيس كتلة نواب "حزب الله" الحاج محمد رعد قبل يومين وهو "فريق وازن في البلد وافق على نسبية مع دوائر متوسطة. وصيغ القانون المختلط كلها ستأكل ببساطة وصراحة حق أحد ما"، إذا أعطف هذا الكلام على كلام "الرئيس" يمكن الاستنتاج أنه من الأفضل تصديق "حزب الله".
طبعاً قد يقول البعض أن الرئيس عون قال لـ"المخاتير" أيضاً أنه سيبحث في مجلس الوزراء في كل مشروعات قوانين الانتخاب بعد 15 نيسان الجاري وأنه سيحوّل الى مجلس النواب كل من ينال منها أصوات ثلثي أعضائه. لكن ذلك لن يمنع احتفاظ "الحزب" بموقفه.