قبضوا على السلطة، إنما يلعبون اللعبة وفق القواعد التي فرضها "حزب الله"، او التي خضعوا لها طواعية لعدم رغبتهم في أكثر من سلطة واهية، ومعها فتات المائدة من مال عام مخصص لـ"النهب" القانوني! وأثبتت تلك "العراضة" التي حصلت في مربع من مربعات البيئة الحاضنة للحزب، أن لا دولة إلا حيث يسمح الحزب المشار اليه بوجودها، وكل المواقع والمراكز والمظاهر ليست أكثر من مسرحة للخواء السياسي والوطني في البلد.

صحيح أن وزير الداخلية نهاد المشنوق استنكر ما حصل، لكن الاستنكار جاء يتيما، فلا رئيس الحكومة سعد الحريري الذي كان حتى الامس القريب لا يتأخر مرة عن توجيه الانتقادات لسياسات الحزب وسلوكياته، مباشرة او بواسطة نوابه وقيادات تياره، تناول الموضوع مخافة أن يهدد استقرار حكومته، ولا رئيس الجمهورية المنهمك بتظهير صورته كرئيس قوي آت "فاتحا" على صهوة حصان أبيض تنبه لظاهرة اكثر ما أصابته، أصابت هيبة العهد الذي بالكاد مضى على انطلاقته ستة أشهر! لقد كان الصمت عميقا للغاية، فيما ضوضاء الخلافات حول قانون الانتخاب تكاد تصمّ الآذان. والسؤال: ما نفع كل قوانين الانتخاب في ظل وجود دولة فوق الدولة، وجيش فوق الجيش؟ إن الخلاف المستشري حول قانون الانتخاب يكاد يكون سخيفا مقارنة بخطورة الظاهرة التي يمثلها "حزب الله"، والتي تلغي حكما كل الآليات الديموقراطية مهما جرى التسويق لها.
في مطلق الأحوال، إن "العراضة" في برج البراجنة، إن دلت على شيء فإنها تدل على أن شعار بناء الدولة فارغ من مضمونه، وذلك الى اليوم الذي يتم فيه إيجاد حل ينهي تلك الحالة الشاذة التي يمثلها حزب مسلح يعمل وفق وظيفة إقليمية. هذه حقيقة تناقض كل الشعارات التي نسمعها هنا وهناك! ومن المهمّ تذكير اللبنانيين بها.
ماذا عن قانون الانتخاب؟ من المرجح ألا يتم التوصل الى اتفاق حول قانون جديد خلال الشهر الحالي، مما يحتم على القوى السياسية الكبرى أن تبت سريعا موضوع التمديد لمجلس النواب الحالي. والحال أن معظم المسؤولين الكبار يتصرفون على أساس أن التمديد حاصل، حتى لو عارضه رئيس الجمهورية، لأن "الثنائي الشيعي" يعتبر أن حصول فراغ على مستوى مجلس النواب الذي يترأسه شيعي إنما يضرب في الصميم "مكانة" الطائفة في المعادلة اللبنانية، ولا سيما ان الخلاف في شأن إقرار قانون انتخاب جديد لا يجوز أن يصل الى إلغاء مجلس النواب، في الوقت الذي لم تنضج فيه الامور للذهاب نحو إعادة النظر في التوازنات، وبالأخص موقع الشيعة في سلطة يعتبرون انها ما عادت تناسب حجمهم وقوتهم الفعلية.
عمليا، نحن ذاهبون نحو تأجيل للانتخابات قد يطول حتى صيف ٢٠١٨، إلا إذا عادت القوى المعنية وقبلت بالعودة لمرة أخيرة الى "قانون الستين" إنقاذا لاستحقاق معطل حتى إشعار آخر.