تمهيد: للمرّة الثانية خلال تاريخ حزب الله ،يستعرض الحزب قُوّته بشكل مُموّه بواسطة القمصان السود، المرّة الأولى منذ بضع سنوات في بيروت الغربية، ومنذ بضعة أيام في الضاحية الجنوبية لبيروت، وكما في المرة الأولى تكثر الاستفسارات والتساؤلات والتحليلات حول معاني الخطوة ورمزيّتها ودلالتها ووقعها على جمهور الحزب وحُلفائه وخصومه على السواء.
أولاً: سقيفة بني ساعدة...
في التاريخ الإسلامي حصلت طبعاً مثل هذه العراضات لإبراز العضلات، إلاّ أنّ أبرزها ، والله أعلم، كانت تلك التي حصلت يوم سقيفة بني ساعدة، فالمعروف أنّ الأنصار تداعوا يوم وفاة النبي (ص) لاختيار أميرٍ جديد ليثرب، مدينة الرسول، ذلك أنّ قبائل المدينة، وعلى رأسها الأوس والخزرج، كانوا قد تنازلوا عن إمرة المدينة للنبي في حياته. وما أن انعقد الاجتماع حتى حضر المهاجرون وعلى رأسهم أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح، وانتهت المداولات والمشاجرات بخطبة أبي بكر الشهيرة، التي كرّست الخلافة في قريش، عندما قال عمر لأبي بكر: مُدّ يدك لأُبايعك ، وتبعه في ذلك المهاجرون، وسارع الأوس للبيعة لإبعاد الإمارة عن منافسيهم الخزرج، واكتملت عناصر الخلافة الأولى لأبي بكر بمبايعة شبه عامة.
ثانياً: قمصان بني أسلم السّود...
هذا ما ذكرته كتب التاريخ، وبدا كأنّ خطبة أبي بكر هي التي حسمت أمر الخلافة، إلاّ أنّ بعض الإخباريين ذكروا أنّه أثناء المداولات في السقيفة، ظهرت في شوارع المدينة عناصر مُسلّحة وبعضها مُلثّمة من قبيلة بني "أسلم" ، وهي إحدى قبائل وادي حجر الواقع بين الحرمين الشريفين، وكانوا من أخلص الأنصار لرسول الله، ومن أشهر صحابة الرسول من قبيلة أسلم: حدرد بن أبي حدرد الاسلمي الذي شهد مع الرسول صلح الحديبية، ومسعود بن سنان الاسلمي الذي شارك في قتل زعيم يهود خيبر، وسلمة بن الأكوع الاسلمي الذي غزا مع رسول الله سبع غزوات ،المهم أنّ عناصر هذه القبيلة الذين جابوا شوارع المدينة شكّلوا قوّة ضغط ساعدت المهاجرين في لجم اندفاعة الأنصار، ودفعهم للسّكينة والاذعان.
مكرُ التاريخ لا يُضاهيه مكر، هاهم شيعةُ الوليّ الفقيه على خُطى المهاجرين وقبيلة بني أسلم الذين كرّسوا خلافة الصديق بفضل القمصان السّود، وما أشبه الليلة بالبارحة.