خلال زيارته لأنقرة يوم الخميس الماضي، أشار وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون في مؤتمر صحفي إلى أن الشعب السوري سيقرر مستقبل الرئيس بشار الأسد، قائلا: أعتقد أن وضع الرئيس الأسد على المدى البعيد سيقرره الشعب السوري. وقد جاء هذا التصريح مشابها في مضمونه لما كانت سفيرة الولايات المتّحدة في الأمم المتّحدة نيكي هالي قد قالته سابقا وفحواه أنّ إخراج الأسد من السلطة ليس أولوية لدى إدارة ترامب وأنّ معركة الاطاحة به ليست معركتها.
 

لقد أثارت هذه التصريحات ردود فعل ساخطة من أطراف متعددة داخل الولايات المتّحدة وخارجها، وعبّر السيناتو جون ماكّين عن قلقه من هذه التصريحات مشيرا إلى أنّ مجرّد اقتراح هذا الأمر يعني أنّه لا يوجد أي استراتيجية، أي تماماً كما كان عليه الحال بالنسبة إلى تصريحات أوباما، مضيفا: "كيف يمكن للسوريين تقرير مستقبل الأسد في الوقت الذي يذبحون فيه على يد الأسد وطائرات بوتين وإرهابيي إيران؟!".

أمّا السيناتور جراهام فقد قال بأنّ هذه التصريحات تعتبر بمثابة أكبر خطأ ترتكبه الولايات المتّحدة منذ أن فشلت إدارة أوباما في التحرك بعدما كانت قد رسمت خطّا أحمر أمام استخدام الأسد للأسلحة الكيماوية، وأنّ مثل هذه السياسة تتجاهل ذبح الأسد للشعب السوري وتعدّ انتصارا لحلفائه "روسيا وإيران".

لكن هل ولد القرار الأمريكي المتعلق بمصير الأسد الآن لكي نستغرب هذه التصريحات من مسؤولي إدارة ترامب؟ بالطبع لا، فقرار الولايات المتّحدة إبقاء الأسد في السلطة يرجع إلى العام 2013 حينما استخدم الأسد السلاح الكيماوي ضد المدنيين السوريين وداس وحلفاؤه على خط أوباما الأحمر دون أي يواجه أي ردّة فعل، علما أنّ واشنطن لو كانت تملك 1% من إرادة الإطاحة بنظام الأسد لكانت تلك هي الفرضة المثالية لفعل ذلك.

كل ما كان قبل ذلك الهجوم الشنيع يندرج ضمن سياسة المماطلة وكل ما جاء بعد ذلك هو مجرّد تفاصيل فقط.. إذا كنتم تتساءلون عن السبب الحقيقي في بقاء الأسد فلا بد أن تعلموا أن السبب لا يتربط بدعم إيراني مهما بلغ حجمه ولا يرتبط بتدخل عسكري روسي مهما كانت قوّته، وإنما يرتبط بشكل أساسي بالموقف الأمريكي الذي لم يحرص فقط على بقاء الأسد وإنما كان السبب الرئيسي وراء دفع أجندات الدول الأخرى لتغيير أولوياتها من الإطاحة بالأسد إلى محاربة داعش، أي من التعامل مع سبب المشكلة إلى التعامل مع الإفراز ات فقط.

لم تكتف إدارة أوباما بكل ذلك، بل عمدت إلى توريط دول بالموافقة على وثائق كان من الواضح أنّ هدفها هو الإبقاء على الأسد. أمّا فيما يتعلق بإدارة ترامب، فهي غارقة في مشاكلها الداخلية، ولم تبلور حتى هذه اللحظة أي رؤى استراتيجية فيما يتعلق بالسياسة الخارجية والتعامل مع الأزمات حول العالم، كما أنّ الشواغر الكبيرة التي تعاني منها وزارة الدفاع ووزارة الخارجية دفعتها إلى استكمال سياسات إدارة أوباما السابقة مع بعض الرتوش على اعتبار أنّه سيكون من الصعب التخلي بشكل جذري عن هذه السياسات دون توفير بديل ودون وجود قيادات قدرة على تنفيذها.

ولذلك فإن سياسة ترامب في سوريا هي مجرّد استكمال لسياسة أوباما، مع فوارق بسيطة أهمّها زيادة عدد القوات الخاصة الأمريكية، وزيادة التعاون غير المباشر مع النظام السوري بدلا من التعاون غير المباشر مع النظام الإيراني والذي كان قائما في عهد أوباما. بمعنى آخر، الفارق هو أنّ المسؤولين في إدارة ترامب أكثر صدقا وشفافيةً من دجّالي إدارة أوباما الذين كانوا يزيّنون للناس سياساتهم، ولكن في نهاية المطاف فإن النتيجة واحدة، ويبدو أنّ قدرة الدول على تعلّم الدروس والعبر من تجاربها لم تعد تجدي، فالتركيز يتم على مستوى تكتيكي في دوائر زمنية حدودها أربع سنوات، ثم تترك المخلّفات إلى الإدارة الجديدة وهكذا دواليك حتى ندخل في دائرة الفوضى المستدامة.