ما هي قصة هندسة الرئاسة وبعدها هندسة الوضع الخاص؟ وما هي قصة الهندسة المالية والرشوة التي قال وزير المال علي حسن خليل إن جمعية المصارف عرضتها على الدولة؟
 

لا تزال الحملة الإعلامية صراحة والسياسية ضمناً على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة مستمرة، لكن الجديد فيها أنها صارت متقطّعة، وأن تركيزها لم يعد على تركه موقعه عند انتهاء ولايته في شهر تموز المقبل. بل صار على ما تعتبره "ارتكابات" قام بها وأخطاء وقع فيها وفوائد قدمها الى مصارف والى إعلاميين ووسائل إعلامية. طبعاً لم يُثر أحد موضوع نزاهته حتى الآن على الأقل، لكن أحداً من الحاملين عليه لم ينكر كفاءته في رعاية الوضع النقدي في البلاد رغم الظروف الضاغطة جداً عليه وعليها من داخل ومن خارج. إلا أن كثيرين يتساءلون إذا كانت سياسة تثبيت الليرة التي مارسها بنجاح حمت لبنان وشعبه المنقسم شعوباً. والجواب عن هذا التساؤل كما يقدمه محترفون ومتخصصون في الموضوع النقدي والاقتصادي من شقّين. الأول هو أن قرار التثبيت تتخذه السلطة السياسية، وهذا ما حصل إذ كان رافع لواءه الرئيس الشهيد رفيق الحريري نجح في الحصول على موافقة رئيس الجمهورية الراحل الياس الهراوي عليه فتبنته الدولة. واستمرت في تبنيه رغم تغيّر العهود الرئاسية والحكومات. أما الشق الثاني فهو أن تثبيت سعر الليرة على الـ1500 في مقابل الدولار الأميركي (1500 – 1510) كان ضرورياً بعد الحرب. لكن ديمومته كانت خطأ. ففي كل دول العالم وفي مقدمها أميركا تفرض الظروف أحياناً تثبيت سعر عملتها مدة ستة أشهر. ويجوز تأميناً للمصلحة العامة أن يمدّد التثبيت مرتين أي 12 شهراً. وبعد ذلك يترك سعر العملة حراً ولكن بين سقفين محدّدين تلافياً لتطورات سلبية وانهيارات. أما في لبنان وبسبب ظروفه الصعبة جداً وجرّاء الحروب ونتائجها فكان يمكن لحاكم مصرف لبنان وبعد موافقة السلطة السياسية إبقاء تثبيت سعر الليرة مدة ثلاث سنوات ثم تمديده ولكن ضمن سقفين معقولين. لكن ذلك لم يحصل، فكانت كلفة استمرار التثبيت باهظة جداً. دفع ذلك الحاكم سلامة وربما مسؤولين الى إبقاء أيديهم على قلوبهم خوفاً على الليرة وعلى الوضع المالي والمصرفي، ولا سيما في ظل تردّي الوضع الاقتصادي والسياسي، واستشراء الفساد، وفشل الطبقة السياسية القديمة والجديدة بعدما وحدتهما المغانم، وغياب السياحة، وتعرّض البلاد الى ضغوط متصاعدة أصحابها متناقضون.
في أي حال لا يمكن إعادة عقارب الساعة الى الوراء. أي لا يمكن العودة الآن عن سياسة تثبيت الليرة التي نجحت في زمن البحبوحة النسبية بعد انتهاء الحروب عام 1990، والتي صارت صعبة التطبيق في زمن الشحّ والقلّة والاستقرار الهشّ في كل المجالات و"الوقوف على الشوار". ولا بد من الاستمرار في السياسة التي انتهجها رياض سلامه "بعجرها وبجرها" كما يُقال أو بحسناتها وسيئاتها. فهو بارع في هذه "اللعبة" ويحظى بتقدير المؤسسات المالية الدولية والدول الكبرى ومنها أميركا مؤسِّسة النظام المالي الدولي أو المهيمنة عليه كما يتهمها أعداؤها. كما يحظى في الوقت نفسه بتقدير أعدائها الإقليميين والداخليين. وسبب ذلك نجاحه في دفع القطاع المصرفي الى التجاوب مع "التعليمات الدولية" وفي تنقيته تدريجاً من "الشوائب" الكبيرة، ونجاحه في حماية المودعين اللبنانيين ولا سيما الذين منهم ينتمون الى شعب "حزب الله" وراعيته إيران، وقدرته على تدوير الزوايا وعلى إشعار "النظام الدولي" بخطورة معاقبة لبنان بشعوبه كلها وبدولته المشلولة، كما على إشعار "الحزب" وراعيته بضرورة التكيّف وإن جزئياً. لكن ذلك يشبه المشي على حدّ السكين أو السيف.
وجعله ذلك كله حاجة الى "النظام الدولي" والى أعدائه في لبنان والخارج والى المصارف والى الشعب الذي صارت أكثريته منتمية قسراً الى طبقة وسطى متوسطة وذوي دخل محدود وطبقة فقيرة. كل ذلك دفع فريقاً سياسياً مهماً جداً في السلطة الى تغيير قراره عدم تمديد ولاية سلامة، وخصوصاً بعدما امتنع "حزب الله" الصاحب الأول للقرار في لبنان أو أبرز أصحابه عن تأييد التغيير للأسباب المُشار إليها. لكن ذلك لا يعني في نظر البعض أنه مانع في تناول "الحاكم" إعلامياً من قبل حلفاء له وفي دفاع حلفاء آخرين له عنه. فكشف "المسؤولين" في أي موقع كانوا مفيد في كل الأحوال. علماً أن تموز تفصلنا عن بدايته ثلاثة أشهر يخلق خلالها الله ما لا أحد يعلم. هل يغيّر "حزب الله" موقفه منه؟ ما هي قصة "هندسة" الرئاسة وبعدها "هندسة" الوضع الخاص؟ وما هي قصة "الهندسة المالية" و"الرشوة" التي قال وزير المال علي حسن خليل إن جمعية المصارف عرضتها على الدولة؟