رغم أن المملكة العربيّة السعوديّة مُسلمة وأن الصين دولة مُلحدة فإنّهما تشتركان في بعض الصفات، يقول الباحثون والمراقبون من عرب وأجانب. أولاها سيطرة الدولة على الإنترنت والاعلام. وثانيتها قوانين صارمة تتناول التصرّفات الشخصيّة، مثل سياسة الولد الواحد في الصين وتطبيق الشريعة الإسلاميّة في المملكة.
 

 وثالثتها قمع الدولة للمجموعات الدينيّة الخارجة عليها مثل المسيحيّين و"فالون غونغ" في الصين، وكل غير المسلمين السُنّة في المملكة. ورغم احتفاظ الصين الدولة بملكيّة الصناعات والقطاعات الاقتصاديّة الرئيسيّة، فإنّها قوّت المئات من أصحاب الملايين المُنضمين إلى الحزب الشيوعي فيها والذين على علاقة معه بمساعدتهم بالتمويل و"الألقاب". والأمر نفسه تقريباً يحصل في السعوديّة. فالعائلة المالكة تربطها علاقات مُزمنة وعميقة مع العائلات التي تقود قطاع "البزنس"، وساعده ذلك على المحافظة على أرباحه من قطاع النفط والغاز ومن العقود الحكوميّة. لكن يبدو أن انخراط هؤلاء في الأعمال يتزايد. ويساعد في ذلك اقتناع عدد كبير من الجيل الأميري الشاب بالتوجّه نحو الأعمال لأنهم عاجزون عن العمل السياسي. ومن شأن ذلك ربّما أن يوتّر العلاقة بين قطاع الأعمال والعائلة المالكة. وهذا التوتّر قد يزداد إذا تسبّبت "رؤية 2030" في انخفاض مداخيل "العائلات الأعماليّة" الرائدة، وربما تنكسر العلاقة المذكورة إذا أقدمت المملكة على خفض عدد موظّفيها الرسميين الذين يشكّلون 70 في المئة من القوّة العاملة السعوديّة، وإذا توقّعت في الوقت نفسه أن يساعدها "قطاع البزنس" في استيعاب "المصروفين" أو قسم كبير منهم في مؤسّساته.
ما هي المبالغ التي يتطلّبها تنفيذ "رؤية 2030"؟
يحتاج هذا التنفيذ إلى أربعة تريليونات دولار للاستثمار في ثمانية قطاعات هي: المناجم والتعدين، البتروكيماويّات، التصنيع، بيع الجملة والمفرّق، السياحة والضيافة، العناية الصحيّة، التمويل، البناء. وإلى جانب السؤال عن طريقة تأمين هذا المبلغ الكبير فإن السؤال الذي يطرحه كثيرون هو: ماذا ستفعل السعوديّة؟ إذ أن العمالة في بعض القطاعات مُرتفعة، فضلاً عن صعوبة توسيع قطاعات محدّدة مثل السياحة لأسباب معروفة مثل قصر زيارة مكّة والمدينة على المسلمين. والقيود الاجتماعيّة ومنع الاختلاط والضغط اليومي وفي كل مكان من المجموعة المكلّفة مراقبة تطبيق الشريعة. وهنا يعتقد البعض أن الاعتماد على قطاع الخدمات سيكون مفيداً. وهو كذلك، لكن على المملكة أن تنافس في هذا المجال الإمارات العربية المتحدة التي سبقتها كثيراً في هذا المجال، يقول الباحثون أنفسهم والمراقبون. لكنّهم يلفتون إلى أن نجاح المملكة في تأمين العمل لنحو 250 ألف سعودي درسوا في أميركا والغرب اختصاصات إداريّة وتكنيكيّة وهندسيّة وغيرها، في مؤسّسات مُهمّة سمحت لهم بالإشتراك في وضع الخطط واتخاذ القرارات والإشراف على تنفيذها فإن ذلك يُمتّن أساسات استمرار حكم آل سعود. فهل السعوديّون جاهزون للعمل؟ الصينيّون كانوا جاهزين جدّاً للإفادة من الإصلاحات الإقتصاديّة. فهل يكون السعوديّون مثلهم؟ علماً أن كثيرين من موظّفي الدولة لم يمتلكوا المؤهّلات اللازمة أو لم يوظّفوا وفقاً لمؤهّلاتهم.
في النهاية يعتقد الباحثون والمراقبون أنفسهم واستناداً إلى استطلاعات رأي خليجيّة غير سعوديّة أن أبناء الخليج جاهزون للعمل بمرتّبات أقل ولكن في دولة مستقرّة وآمنة وثابتة. ويعني ذلك أن العائلة الحاكمة في المملكة تستطيع أن تعقلن الاقتصاد رغم الآلام التي ستصيب شعبها شرط معالجتها بحكمة لأنه قلق من العنف في اليمن وسوريا والعراق والتهديد الإيراني.
ويعتقدون أيضاً أن على الإصلاحيّين في السعوديّة نشر وتعليم مهارات سياسيّة في أثناء إعادة التفاوض حول الاتفاق (Deal) المؤسّس للمملكة. وجوهره موافقة المواطنين على حكم آل سعود في مقابل الأمن الاقتصادي. كما عليهم مواجهة أي تمرُّد لأمراء من داخل القصر الذين قد يخسرون مالاً وسلطة بسبب الأنموذج الجديد الذي يُعمل على تأسيسه، وفي الوقت نفسه الاهتمام بمصالح مؤيّديهم في مجتمع "البزنس" والأعمال والبقاء أوفياء لتقاليدهم وثقافتهم.
ويعتقدون أخيراً بوجود اتفاق آخر أسّس المملكة قام بين آل سعود وعائلة العالم محمد بن عبد الوهاب. وأي خلاف بينهما يؤذي الحكم والدولة. لكن لا بدّ من محاولة لاقناع القسم الثاني (العلماء) بضرورة التطوير والانفتاح لأن انعدام ذلك يفتح باب الكوارث على الفريقين معاً وعلى البلاد والشعب.