تتّجه الأنظار في الساعات المقبلة الى البحر الميت حيث تعقد القمة العربية في دورتها الـ28 في ظروف هي الأصعب على العرب ولبنان. ففي الوقت الذي يعيش العالم العربي أسوأ حالات التضامن، يترقب اللبنانيون ما ستكون عليه كلمة لبنان أمام القمة وإمكان ترميم علاقات لبنان الخليجية والعربية من دون ارتدادها على الداخل؟ كيف ولماذا؟
 

يغادر رئيس الجمهورية ميشال عون ومعه رئيس الحكومة سعد الحريري ووزير الخارجية جبران باسيل والوفد الديبلوماسي والإداري المرافق في طائرة واحدة عند الأولى بعد ظهر اليوم الى الأردن للمشاركة في أعمال القمة العربية الدورية المقرّرة غداً على ضفاف البحر الميت في خطوة هي الأولى من نوعها منذ سنوات عدة.

وقبل الدخول في المعطيات السياسية والعسكرية والديبلوماسية التي تحكم جدول أعمال القمة، فإنّ للحضور اللبناني فيها هذه السنة نكهةً خاصة بعد غياب رئيس الجمهورية عنها لسنتين متتاليتين بسبب الشغور الرئاسي الذي تمادى 29 شهراً، وهو ما سينعكس على هذه المشاركة شكلاً ومضموناً.

ففي الشكل أولاً، إنها المرة الأولى منذ أن تحوّلت القمم العربية دورية سنوية عام 2001 يرافق رئيس الحكومة رئيس الجمهورية الى القمة العربية في رسالة موجّهة الى الداخل اللبناني والعالم العربي والمجتمع الدولي لمحو آثار الإنتكاسات السابقة التي أصابت لبنان على مستوى القمم العربية منذ عقد من الزمن.

فمسلسل الأخطاء التي ارتُكبت في السنوات الأربع الأخيرة دفع دول الخليج العربي الى مقاطعة لبنان عقب خروجه عن الإجماع العربي والتضامن مع السعودية ودول الخليج عقب الهجوم الذي استهدف السفارة السعودية في طهران ومواقف أخرى رافقت ترددات الأزمتين السورية ومن بعدها اليمنية والإنقسام العربي منهما وانخراط وزارة الخارجية اللبنانية في حرب المحاور منذ أن سقطت مفاعيل «إعلان بعبدا» الذي أكد حياد لبنان عن الأزمات العربية متى فقد التضامن العربي حولها في ظل الشغور الرئاسي بعد 25 أيار 2014 وحتى الأمس القريب.

بالإضافة الى ذلك، ففي ثنائية مشاركة رئيس الجمهورية ومعه رئيس الحكومة في القمة رسالة مباشرة الى كلّ مَن يعنيه الأمر توحي بإنهاء الخلافات الداخلية بين اللبنانيين عقب المظهر الإنقسامي الذي دلّت عليه المشاركة اللبنانية غير العادية في قمم عدة.

وللذكرى يمكن العودة الى مشاركة لبنان في قمتي الخرطوم والرياض العامين 2006 و2007 على التوالي بوفدين في حينه بسبب الإنشقاق السياسي الذي عاشه لبنان في تلك الفترة. مع الإشارة الى غياب لبنان نهائياً عن قمة الجزائر في 22 – 23 آذار عام 2005 عقب استشهاد الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط من العام نفسه.

كذلك الغياب عن قمة دمشق في 29 آذار 2008 لوقوع لبنان في الشغور الرئاسي وقبل انتخاب الرئيس ميشال سليمان في 25 أيار 2008 ولم يشارك رئيس الحكومة فؤاد السنيورة فيها بعدما انتقلت الى حكومته مجتمعة مهمات رئيس الجمهورية المفقود.

وما هو محسوم في الشكل ايضاً، أنّ القمة ستكون مناسبة ليلتقي رئيس الجمهورية الى العاهل الأردني الملك عبدالله بن الحسين عدداً من المسؤولين الأمميّين والعرب ومن بينهم الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريس الذي يعرف لبنان وغالبية مسؤوليه من خلال مهمته السابقة مفوَّضاً لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة قبل انتخابه أميناً عاماً للمنظمة، وهو زار لبنان مرات عدة.

كذلك سيلتقي عون رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي، وموفد الرئيس الروسي ميخائيل بوغدانوف الذي لم يحدد موعده بعد. وسيلتقي عون أيضاً أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر المبارك الصباح إذا شارك في القمة.

وتجدر الإشارة الى أنّ لبنان الرسمي يترقّب مستوى المشاركة العربية وحجمها في القمة، إذ ليس مؤكداً مَن سيرأس وفود البلدان المشاركة فيها، وعلى أيّ مستوى، لترقّب المواعيد التي يمكن أن تُعقد على هامش المؤتمر، فليس لدى لبنان مشكلة في اللقاء مع أيّ رئيس عربي ويمكنه أن يلتقي الجميع.

أما في المضمون فليس سهلاً من الآن الإشارة الى ما ستكون عليه المشاركة اللبنانية هذه السنة وحصيلتها. فهي الإطلالة الأولى للعهد تجاه مَن سيحضر من قادة العالم العربي مجتمعاً عقب الإطلالات الخارجية العربية التي شهدتها القمم اللبنانية الأربع مع الملوك والأمراء والرؤساء العرب في الرياض والدوحة والقاهرة وعمان.

وما هو محسوم أنّ رئيس الجمهورية أعدّ خطاباً مختلفاً عن بقية الخطابات الرسمية اللبنانية السابقة، على حدّ قول المطّلعين على عناوينه. فهو سيخاطب القادة العرب بصراحة متناهية لم يسبقه اليها أحد. فالمنطقة العربية تغلي ولا يمكن الإحتفاظ بالخطاب التقليدي للسياسة الخارجية اللبنانية.

وهو يعتقد أنّ للبنان دوراً يميّزه عن غيره من الدول ويمكنه من خلال التجربة اللبنانية الفريدة أن يضع النقاط على كثير من الحروف العربية. ومن هذا المنطلق فهو يرى أنّ على القادة العرب اتّخاذ كثير من القرارات الكبيرة والخطيرة في الظروف الإستثنائية التي يعيشها العالم العربي.

وذلك من أجل وقف الحروب العبثية الداخلية بين الإخوة ووقف تدمير الإقتصادات العربية والثروات الطبيعية التي شكلت، ويمكن أن تشكل، مصادر القوة الخارقة في عالم يعيش مسلسل الأزمات الإقتصادية والمالية الكبرى منذ سنوات عدة.

وفي انتظار ما ستحمله القمة العربية فإنّ هناك مَن يترقّب كثيراً من المخاوف على ردة فعل العرب ما لم يكن الخطاب اللبناني مختلفاً لترميم علاقاته بالقادة العرب، عدا عن الخوف من حجم الخلافات العربية في طريقة التعاطي مع أزماتهم الكبرى في اليمن وسوريا والعراق وليبيا.

وزاد من حجم المخاوف من أن تكتسب القمة من اسمها وموقع انعقادها شيئاً، فهي في النتيجة ومنذ تأسيسها عام 1946 وجعلها دورية منذ العام 2001 ستحمل للمرة الأولى في وثيقتها النهائية على أنها «قمة البحر الميت»؟!