السنوات السبعة للأزمة السورية لم تكن كافية لإقناع النظام السوري وبعض المعارضة بأن الحل في البلاد لا بد أن يكون سياسيا في النهاية.
 


تستيقظ دمشق عاصمة الأمويين ونظام آل الأسد اليوم على وقع معارك قريبة من حدود قصر المهاجرين لتؤكد هذه الحقيقة للمرة الألف.
فبعد سلسلة الإنكسارات والهزائم التي حلت بالمعارضة العسكرية في العام الماضي وخصوصا خسارة مدينة حلب، تأتي التطورات في العاصمة لتؤكد أن حكاية أزمة شعب ونظام ودولة وجغرافيا في سوريا لا زالت مستمرة ولم تعرف نهاياتها " السعيدة "  بعد.

إقرأ أيضا : حرب ضروس في الشمال السوري.... الأكراد يسلمون قرى منبج للنظام والجيش التركي يتوجه نحوهم

أبعاد معركة دمشق:

ما يجري بالعاصمة دمشق من تطورات لا بد من النظر إليه إستراتيجيا  لناحية الأزمة السورية.
فالعاصمة المهمة بحكم الجغرافيا والتاريخ بقيت عصية على المعارضة المسلحة طوال فترة الأزمة بإستثناء بعض الأحياء كجوبر والقابون.
ومع سنين الأزمة العجاف برزت معادلة سلمت لفترة من الزمن بالأمر الواقع وقوامها :" حلب مقابل دمشق " وهذه كانت من الأخطاء القاتلة للمعارضة والتي إستطاع النظام وحلفائه من إفشالها لاحقا وأثبتت أن نظرة النظام للأزمة السورية هي نظرة قطعية ونهائية لا تقبل بالأمر الواقع طويلا وتغيره في أقرب فرصة.

إقرأ أيضا : لهذه الأسباب فتحت معركة دمشق !

 

أما المعارضة فكانت تكتفي بإنتصارات مؤقتة تقطع فيها الوقت ولا تعد أو تجهز لمعارك ذات أبعاد وزخم عسكري كما كان يحصل في بدايات الأزمة.
إنطلاقا من هذه المعطيات  تبرز أبعاد معركة دمشق على أنها لأول مرة منذ فترة طويلة تتخذ المعارضة العسكرية خطوات جريئة وتبادر إلى فتح معركة ولا تنتظر من النظام أن يبدأها.
لذلك كانت معركة :" يا عباد الله اثبتوا " بمراحلها مفاجئة للنظام وسرعان ما حققت مكاسب كالوصول إلى ساحة العباسيين والسيطرة على الكراجات والمنطقة الصناعية.
وهذه المعركة التي يشارك فيها فيلق الرحمن وحركة أحرار الشام الإسلامية وهيئة تحرير الشام لها دلالاتها وأسبابها الموجبة.

دلالات المعركة:

فهي تأتي  في توقيت المفاوضات في جنيف وأستانا بحيث إن إستطاعت المعارضة السورية الحفاظ على مستوى عال من الزخم العسكري والمبادرة فإن هذا الأمر سيكون لصالحها على طاولة المفاوضات.
ولن تجلس حينها المعارضة السورية مع النظام وتبدأ التفاوض إنطلاقا من تداعيات معركة حلب بل ستكون هناك معادلة جديدة أساسها الصلب ما يجري في أحياء العاصمة والثمار ستكون مضاعفة.

سيناريو حلب:

لكن هناك من ينظر إلى ما يجري بطريقة مختلفة ويشبهه بأحداث حلب.
فقبل سقوط حلب الشرقية بيد النظام السوري وحلفائه شنت المعارضة حينها هجوم عسكري مباغت وعلى مراحل شبيه بمعركة دمشق بعد أن فرض النظام حصارا خانقا على الأحياء الشرقية وقطع طريق الكاستيلو.
إستطاعت المعارضة السيطرة على مبان وأحياء ومجمعات عسكرية وإستراتيجية للنظام حينها لكنها سرعان ما إنسحبت منها على وقع الضربات.
الأمر الذي لم يلتفت إليه كثر حينها أن النظام وحلفائه إستطاع إستثمار مراحل الهجوم بتكبيد المعارضة في كل مرحلة العديد من الخسائر البشرية والمادية  على الرغم من تحقيقها لمكاسب آنية.
وفي لحظة تقهقر المعارضة وصفوفها حينها شن النظام وحلفائه هجوم كاسح وسيطروا على كل حلب.

إقرأ أيضا : بالفيديو : المعارضة تسيطر على كامل كراجات العباسيين بدمشق
فهل يتكرر ذلك في دمشق في ظل حصار مفروض على جوبر والغوطة الشرقية؟
وهل تكون هذه المعركة آخر معارك المعارضة في العاصمة قبل الحسم النهائي من قبل النظام وحلفائه وسيطرته بالتالي على الغوطة وأحياء جوبر والقابون؟

 

قد يتكرر ذلك في دمشق وتكون المعارضة قد خسرت منطقة مهمة جدا لناحية الجغرافيا والثقل الديمغرافي والسياسي.
لكن يرى آخرون أن لا مجال لتكرار سيناريو حلب بسبب إختلاف الجغرافيا بين المدينتين.

إقرأ أيضا : سياسة الرئيس ترامب الشرق-أوسطية... بداية توازن في العراق وسوريا
فدرجة المخاطرة لدى النظام في عاصمته السياسية ستكون أقل مما كانت في حلب  كون الأمور إذا ما تم فقدان السيطرة عليها كليا وإتخذ النظام خيارات " شيطانية " بالقصف والهدم ، فإنها ستكون لصالح المعارضة لا ضدها أقله إعلاميا وستعطي إنطباعا بأن المعارضة تمتلك مفتاح الحرب والسلم في دمشق.

إقرأ أيضا : قوات المعارضة السورية تتقدم في دمشق والنظام يحاول إيقافها
وحتى لو خسرت المعارضة في العاصمة منطقة هنا أو هناك، فإن توتير الأجواء وخلق حالة من الذعر والقلق الأمني للنظام إن من خلال التفجيرات التي سبقت الهجوم أو معارك الكر والفر سيحسب نصرا لها بالسياسة كون جغرافيا المعركة هي العاصمة وليست أي مدينة أخرى حتى لو كانت بثقل حلب.
ومن المرجح أن ستاتيكو معين سيخلق في العاصمة مع الوقت  مرتبط بمفاوضات جنيف وأستانا من دون المخاطرة من قبل الطرفين بالذهاب بعيدا في المعركة وستقتصر الأمور على معارك الكر والفر التي لن تخلو من المزيد من الدماء والدمار في صفوف الطرفين.