في ذكرى كمال جنبلاط نتذكر قائدًا وطنيًا كبيرًا نذر نفسه لخدمة الوطن، فكان له الدور الأساسي في إرادة الاصلاح والإنماء التي رافقت تأسيس الكيان اللبناني، وكان القائد الإستثناني الذي أعطى الوطن ولم يأخذ حتى سقط شهيدًا
 

قُتل كمال جنبلاط لأنه قال لا لمن رضخ له عبيد السلطة بعد أن رفض الإنتقال من محور المقاومة إلى محور الاستسلام وهو السياسي الإستثنائي في بلد قلّ فيه السياسيون أمثال كمال جنبلاط فأكثرهم من الأميين الذين ورثوا السياسة والزعامة نتيجة انتساب إقطاعي وإرتباط إقليمي ودوليّ بالجهات النافذة في الشأن اللبناني.
إرتقى كمال جنبلاط في مماته كما في حياته الى رتبة عالية إصطفته مناضلًا وشهيدًا من أجل وطن لا لبقائه مزرعة من مزارع الطوائف القائمة وقاد مرحلة نضالية صعبة داخل الدولة وخارجها في البرلمان وفي الشارع وأعلن بشكل واضح أن النظام الطائفي في لبنان هو المشكلة ولا حلّ دون الخروج من أنفاقه والشروع ببناء دولة وطنية يتساوى فيها الجميع تحت سقف القانون.

إقرأ أيضًا: بيضة جنبلاط في خطر
لم يكن الحزب التقدمي الإشتراكي والزعامة الجنبلاطية وطنياً وطائفيًا الاّ مسرحًا سياسيًا لرجل وظف كل الإمكانيات لمواجهة مشروع المزارع وقاد الحركة الوطنية اللبنانية في الحرب الأهلية بحثًا عن سلام آمن ودائم وكانت مواقفه الى جانب المقاومة الفلسطينية تأييدًا منه لضرورة النضال الفلسطيني ضمن حضن عربي يضع بندقية المقاومة باتجاه صدر العدو وبعد أن تبدلت أحوال المقاومة الفلسطينية وإستذاقت حلاوة السلطة في لبنان عارض كمال جنبلاط دور منظمة التحرير السلبي في لبنان من موقع فلسطيني متقدم حريص على نظافة الرصاص الثوري وعدم هدره في طرقات وشوارع وأزقة بيروت.
طبعًا حالة الإمتعاض الوطني من التجربة الفلسطينية في لبنان لم تكن بالمستوى المطلوب نتيجة أسباب كثيرة دفعت بالمعترضين عليها إلى الإنكفاء عن لومها الاّ أنها كانت سببًا كافيًا للصراعات الحزبية في الساحة الوطنية والتي سهلت لإحتلالين سوري وإسرائيلي كما عبرت الحركة الوطنية اللبنانية آنذاك آثناء مواجهتها الخاسرة مع المقاومة الفلسطينية للإحتلاليين المذكورين.
لقد دفع كمال جنبلاط ثمن إرتباطه بالمشروعين الوطني والفلسطيني برصاص سوري غير طائش كما هو إتهام وليد جنبلاط للنظام السوري المسؤول عن قتل والده وبشكل مباشر للتخلص من صخرة وطنية وفلسطينية وعربية كبيرة جدًا ولها وزن كبير عند السوفيات آنذاك وعند الدول الإشتراكية التي ينتسب جنبلاط إليها كرؤية وصيغة حل للمجتمعات العربية.

إقرأ أيضًا: آنتيل جنبلاط معطل
بعد كمال جنبلاط سقط المشروع الوطني كمضمون وبقيّ كشكل وإطار لم يفلح الصامدون فيه في توفير ما وفر له كمال جنبلاط من بُعد سياسي وثقافي ومعرفي وتحوّل من مشروع نهضوي إلى مشروع مربوط بحبال منظمة التحرير الفلسطينية التي خنقته وحولته الى منتج صالح للعرض فقط لا إلى الإستعمال كونه بضاعة مغشوشة ومادة مسمومة شأنها الفتك باللبنانيين تحت جمل من الأسباب والتبريرات.
لقد ضيع من قتل كمال جنبلاط فرصتين على لبنان الأولى تمكين لبنان من خلال مشروع كمال جنبلاط من النهوض صوب الدولة الوطنية العلمانية ووضع نهاية طريق للنظام الطائفي والثانية تمكين لبنان من مواجهة الإحتلال والمشروع الإسرائيلي بمقاومة وطنية تدفع العدوان وتُثبت النظام الديمقراطي كيّ لا تعطي العدو فرص العودة اليه من جديد.
في ذكرى كمال جنبلاط دعوة الى التأمل في تأملاته الوطنية والفلسفية كيّ نعطي للعين حدسها في التقاط المشهد الفارغ من أيّ مقومات تُذكر لدى نخبة سياسية فرضتها الأحزاب وسلطتها على رقاب الشعب لتنهب ما إستطاعت من ثروات الموت في طرقات شتى.