أثارت قرارات محكمة العدل الأوروبية بحظر الحجاب في أماكن العمل جملة اعتراضات محلية وعالمية رافضة، فيما يعج الواقع الذي نعيشه في لبنان عمومًا وواقعنا الشيعي خصوصًا بمصائب لا تعد ولا تحصى ولم يعرها أحد أي إنتباه !!
 

أولاً: يا سيد: لقد أبعدت مرماك...
بدل أن يهتم السيد علي فضل الله بالقرار الجائر بمنع عرض كتب والده في النجف الأشرف، أثار حفيظته قرار محكمة العدل الأوروبية القاضي بحظر الحجاب وغيره من الرموز الدينية في أماكن العمل، والسيد يخشى أن تكون الدوافع السياسية هي التي استولدت هذا القرار، وكأنّنا في بيئة السيد الشيعية ننعم بممارسات دينية ديمقراطية بريئة لم تُلوثها السياسة بعد، بدءاً من التّسلُط المستمر على مؤسسات المجلس الإسلامي الشيعي،حتى احتكار المناصب الوزارية والنيابية والإدارية والأمنية من قبل الثنائية الشيعية، حيث لا يجرؤ السيد فضل الله على رفع الصوت في وجهها، وهو إذ يدعو المسلمين في أوروبا للتصدي لهذا القرار "الجائر" بالأساليب المشروعة التي تؤكد الوجه المشرق والحضاري للإسلام، ينسى أنّ ما تتعرّض له الشخصيات الشيعية المعارضة للثنائية من استبعادٍ وازدراء، وصولاً إلى كيل التهم من العمالة والتخوين والخروج من الملّة، وكل ما لا يُفصح عن الوجه المشرق للإسلام، ولا عن الروح السمحة للتراث الشيعي العظيم عبر العصور. إلاّ أنّ وجه الاعتراض الحقيقي ليس فيما أوردناهُ أعلاه، فقد يغسل السيد فضل الله يديه من أفعال الثنائية الشيعية، التي لا يتعرّض لها طالما هي لا تتعرض لمملكته اللاهوتية والدنيوية.

إقرأ أيضًا: شتان بين الشهابية والعونية.
ثانياً: شتان بين الغرب الأوربي وبلادنا الإسلامية...
وجه الاعتراض على صيحة فضل الله هنا: الأوروبيون معنيون بإدارة شؤون بلادهم وسلامتها ونُموّها وازدهارها، ولكلّ مقامٍ مقال عندهم، يتسامحون في فترات الدّعة والسلم، ويتشدّدون حين تدعو الحاجة، أمّا الأخت المسلمة التي ارتضت العيش في بلاد "الكفار" ،بعد أن حظيت بالسكن والتعليم والعمل، فلها إن أرادت المحافظة على سلامة دينها، وحشمتها ووقارها وحجابها أن تقرّ في بيتها والعناية بعائلتها ، أو تُيمّم وجهها شطر بلاد المسلمين ومهبط الوحي، فإذا استطاعت الحصول على تأشيرة دخول (بشقّ النفس طبعاً) ، وبعد ذلك التوفُّر على مسكن وحقّ الإقامة ورضى الوكيل، فلتصرخ بأعلى صوتها: لا كان الغرب ولا كانت قوانينُه، ونحن لها من المباركين.

إقرأ أيضًا: النعرات المذهبية والشعوبية في آراء الوحيد الخراساني
 ثالثاً: أرضُ الإسلام الضيّقة، وأرض الله الواسعة...
يا سيد، نحن نعيش (بحمد الله) في أرض الإسلام، ونواجه العراقيل الثقافية، التي لا تقلُّ خطورة وأهمية عن منع الحجاب وارتداء "البوركيني" والزّي المدرسي الموحّد، في بلاد الإسلام "الضيّقة" يتعرّض المثقفون يا سيد لتُهم العمالة  والتخوين والتكفير والتدليس والتّغريب، وهذا يستدعي الملاحقات القضائية والاعتقالات، وصولاً إلى التصفيات الجسدية (الاغتيالات)، هذا ما يجده المثقّفون الأحرار في العديد من البلدان العربية والإسلامية، لذا نجد معظم المثقفين مضطرّون لارتداء "حجاب" الرقابة الذاتية على النفس (الأمّارة بالسّوء ) وعلى الكتابات والحركات، وصولاً إلى الخضوع والإستسلام ،والتنازل عن الفكر النقدي الحر في غالب الأحيان، وفي حين ما زالت بلادنا "مجبولة" بالمظاهر الدينية (والتي تختلف عن الدين المتسامي المتعالي) ، كانت أوروبا قد أنجزت منذ مطلع القرن العشرين الفصل بين الكنيسة والدولة، بعد معارك ومقاومات عنيفة، ومعلوم أنّهما كانتا مترابطتين إلى أبعد حد طيلة العهد القديم، أي العصور الوسطى والأنظمة المتعاقبة، حتى اضطرت المسيحية للاذعان والقبول بانفصال السلطة السياسية عنها واستقلالها بذاتها، وهكذا تمّ تحرير الدين من السياسة ،والسياسة من الدين، وربح كلا الطرفين من هذا الطلاق الذي كان صعباً وقاسياً في مراحله الأولى، وعليه، ليس مستهجناً ولا مستنكرا أن تلجأ أوروبا عند الحاجة إلى حظر الرموز الدينية (بشكل عام) في ميادين العمل والتعليم وارتياد الأماكن العامة التي تفرض لباساً خاصاً (لباس الشواطئ البحرية) والالتزام بمقتضيات القوانين والأعراف والإجراءات التي تراعي الخصوصيات الثقافية والاجتماعية، وهذا يفرض على المواطنين والمقيمين احترامها بدل التصدّي لها كما دعا إلى ذلك السيد علي فضل الله.
لقد أبعدت مرماك يا سيد، فقريباً من مُقامك في الضاحية الجنوبية، ما يستدعي الزجر والتنبيه والتصدي، وصولاً إلى النجف الأشرف ، بدل الانشغال بما يحصل في أوروبا ، أرض الله الواسعة، التي احتضنت فيمن احتضنت المسلمين الساعين وراء الأمن والأمان.