جدول أعمال جلسة مجلس النواب المكثّف، الأربعاء في 15 آذار، الذي أخذت بعض بنوده وقتاً طويلاً، أوصل النواب إلى درجة الملل قبيل الدخول في نقاش سلسلة الرتب والرواتب. ما قلّل من شغب النواب، وأسعف نائب رئيس المجلس فريد مكاري، الذي أدار الجلسة، على تجنّب الانتقادات التي وجّهت إليه في الجلسة السابقة.
وبدا مجلس النواب قاعة لعقد الخلوات واللقاءات الجانبية. وإذا كان النائب سامي الجميل هو نجم الجلسة في المواقف التي أعلنها، فإن الوزير جبران باسيل كان الأكثر حركة. إذ تنقّل بين مقاعد النواب والوزراء، وكان يعمل على تسويق إقتراحه قانون الانتخاب، الذي أعلنه الإثنين في 13 آذار. أكثر من مرّة تردد باسيل إلى مقعد رئيس الحكومة سعد الحريري، وغالباً ما كان الحديث يطول. وما إن ينتهي، حتى يذهب باتجاه وزير أو نائب آخر. أما أبرز خلواته فكانت مع الوزير علي حسن خليل والنائب وائل أبو فاعور. إلا أن حركة باسيل هذه استدعت تأنيباً من مكاري، الذي طالبه بالهدوء، لأنه "عامل هوشة بالجلسة، ويلهي النواب".
افتتح مكاري الجلسة بالوقوف دقيقة صمت حداداً على وفاة النائب السابق محمود المراد. وبعدها تلي جدول الأعمال وبدأ النقاش في بنوده. أبدى أكثر من نائب امتعاضه من الوقت الذي يستغرقه كل قانون، علماً أنها قوانين روتينية واستثمارية وليست مهمة، فكيف سيكون الأمر بالنسبة إلى السلسلة؟
البنود الثلاثة الأولى استغرقت ثلاث ساعات من النقاش، بالإضافة إلى مداخلات النواب، التي تركّزت على قانون الانتخابات، والاعتراض على عدم إدراجه في جدول أعمال الجلسة، ومسألة سلسلة الرتب والرواتب واعتراض النواب على الإصلاحات فيها، خصوصاً تلك التي تطال الجسم القضائي، وتخفّض مستحقات القضاة وتقصر العطلة القضائية.
سجّل النائب الجميل اعتراضه على عدم تضمين جدول أعمال الجلسة، مشاريع وإقتراحات قانون الانتخابات، خصوصاً أنها الجلسة الأخيرة قبل انتهاء مهلة دعوة الهيئات الناخبة. وحمّل الجميل المسؤولية إلى المجلس النيابي، كما أنه اعتبر أن ما يجري يشبه عمل الحكومة، كأن هناك اتفاقاً بين الحكومة ومجلس النواب للوصول إلى عدم إقرار قانون جديد للانتخابات، أو لإقرار تمديد جديد للمجلس النيابي. وهذا الموقف استدعى رداً من الوزير غازي زعيتر الذي رفض هذا الأمر. ما دفع بالجميل إلى توضيح موقفه أنه لا يقصد تحميل المسؤولية إلى رئيس المجلس، إنما للمجلس ككل.
نحو ثلاثين نائباً أدلوا بمداخلات، منها ما يتعلّق بقانون الانتخابات ومنها ما يعارض فرض ضرائب على المواطنين لإقرار السلسلة، رغم تأييدهم إقرارها. هذه الحال دفعت أحد النواب إلى القول إن هناك توافقاً بين الجميع لتطيير بند السلسلة من الجلسة. ما إضطر نواب المستقبل والرئيس الحريري إلى الطلب من مكاري تقديم بند السلسلة، فاعترض النائب أكرم شهيب، معتبراً أنه في تاريخ الجلسات التشريعية تجري مناقشة البنود كما هي مدرجة على جدول الأعمال، باستثناء الاقتراحات او المشاريع التي تتخذ صفة العجلة أو تقدّم بصيغة اقتراح معجّل مكرر، ليتدخل الحريري فيما بعد لدى مكاري، وتتم تسوية الأمر بإدراج السلسلة بنداً أول على الجلسة المسائية.
وقبيل انعقاد الجلسة، أكد معظم النواب علناً تأييدهم السلسلة، وتوقعوا إقرارها. لكن لدى الدخول في التفاصيل، أبدى أكثر من نائب من كتل مختلفة تشاؤمهم ازاء ذلك، لأن إقرار السلسلة سيؤدي إلى أزمة في البلاد، خصوصاً أن مواردها غير مؤمنة وهناك العديد من الاعتراضات عليها.
وأكد النائب جورج عدوان أن "السلسلة يجب اقرارها اليوم، فلم يعد هناك من ذريعة لتعطيلها. إذا أوقفوا الهدر يمكن تمويل عشر سلاسل". وبدا الوزير علي حسن خليل واثقاً من أن السلسلة ستقرّ، رغم الاختلافات في شأنها، إذ إن نواب كتلة الوفاء للمقاومة لن يصوتوا على رفع الضريبة على القيمة المضافة. وهناك نواب آخرون يرفضون التصويت على بنود أخرى.

لكن استراحة ما بين الجلستين، فسحت المجال أمام النواب والكتل للتواصل والتشاور، إذ نشطت المشاورات في شأن السلسلة، خصوصاً في ظل إصرار الحريري على إقرارها. ما دفع البعض إلى إبداء التفاؤل إزاء إقرارها، ومنهم النائبان إبراهيم كنعان وجورج عدوان، اللذان اعتبرا أن الأمور تتجه نحو الحلحلة، في مسألة والمتقاعدين، فيما اعتبر وزير المال أن لا مشكلة بإقرار السلسلة فيما تحتاج إلى بعض التعديلات في بعض البنود. واعتبر الوزير مروان حمادة أن السلسلة غير مرضية للموظفين، والضرائب لا تفيد الإقتصاد. ووسط هذه الأجواء ثمة من طرح مسألة تقسيط السلسلة على سنتين أو ثلاث، فيما طالب نواب كتلة اللقاء الديمقراطي والقوات اللبنانية بإقرار السلسلة من دون ربطها بالواردات، وذلك لعدم اعطاء الناس حقوقهم مقابل فرض ضرائب عليهم، فيما اعتبر آخرون أن تأمين الواردات يقع على عاتق الحكومة، وفي الوقت الذي توجه فيه النائب عدوان إلى الحكومة قائلاً: "أوقفوا التوظيف والانفاق غير المجدي وتوزيع الجوائز، لأن إيقاف الهدر كفيل بإقرار أكثر من سلسلة"، كان النائب آلان عون يغرّد على تويتر قائلاً: "أخذ القناصون مواقعهم في القاعة ورميت السلسلة في الحلبة". وهذا الموقف أطلقه عون للإشارة إلى الرئيس فؤاد السنيورة الذي كان يستعد لطلب الكلام.

الجميع، كان ينتظر موقف السنيورة، خصوصاً أن هناك من يعتبر أنه استطاع تخفيض السلسلة من 1800 مليار إلى 1200، وقال  إن "جلسة مجلس النواب المنعقدة الآن من أخطر الجلسات، وتقاعسنا عن الإصلاحات المالية والإدارية أوصلنا إلى ما نحن عليه لأن إقرار سلسلة غير متبصرة للقضاة وأساتذة الجامعة أدى إلى فروقات وغبن في الإدارة وإلى زيادة في العجز وخربطة للاقتصاد". أضاف: "نحن مع إقرار السلسلة شرط أن تكون منضبطة ومجزأة بالتلازم مع قرارات شجاعة تنسجم مع الايرادات وتؤدي إلى تحقيق النمو المستدام".

وردّ الوزير علي حسن خليل بأنه لا يمكن إقرار سلسلة من دون ايرادات، حتى وإن أقرت الواردات اليوم سيبقى العجز كما هو، إلا أن النائب الجميّل اعتبر أنه في حال إقرار الإيرادات وحصلت ثورة في البلد فلا يجب حينها البكاء على الأطلال، قائلاً: "أستغرب كيف تقر ملايين الدولارات لمشاريع إنمائية بخمس دقائق، فيما السلسلة وقيمتها 800 مليون دولار تستغرق ساعات، وأيهما أفضل إفقار الشعب أم الذهاب إلى مكامن الهدر؟". وسأل شهيب: "ماذا لو تم إقرار السلسلة اليوم ولم يتم التوصل إلى توافق لإقرار الموازنة؟". ووسط هذه "المناوشات" دخل الحريري على الخط متوجهاً إلى النواب: "أتريدون السلسلة أم لا؟ إذا نعم فلنبدأ".

واللافت أن كلام السنيورة لقي ثناء من الوزير علي حسن خليل ومن نواب آخرين، اعتبروا أن كلام السنيورة دقيق من الناحية المالية.

وبعد طول جدال، بدأ النواب التصويت على بنود السلسلة، وأولها الايرادات. وقد تم إقرار زيادة الضريبة على القيمة المضافة بنسبة 1%، لتصبح ١١%، بالإضافة إلى زيادة بنسبة 4 بالألف على رسم الطابع المالي، وزيادة الضرائب على التخمينات العقارية، وزيادة 6000 ليرة على كل طن اسمنت. وهذا ما اعترض عليه المستقبل والاشتراكي، وزيادة تعريفات الصكوك والكتابات المالية بنسبة 1%. ورفعت الجلسة إلى صباح الخميس لاستكمال النقاش.