في الحسابات الاشتراكية والدرزية، تحمل ذكرى اغتيال «المعلم» كمال جنبلاط هذه السنة كثيراً من الأرقام المميّزة، وزادَ من أهمّيتها أنّها جاءت في توقيت دقيق. فالهجوم العنيف الذي يتعرّض له «وليد بك» مع بداية العهد أعطاها زخماً لم تنله قبلاً. لذلك سُمِعَ جنبلاط يقول في سرّه :»شكراً للعهد الجديد، ولتيّاره لمّيتونا من جديد». فما الداعي إلى ذلك ولماذا؟
 

في الحسابات السنوية تكتسب ذكرى اغتيال «المعلم» كمال جنبلاط هذه السنة أهمّية خاصة عند أركان الحزب التقدمي الاشتراكي والقيادات الدرزية، فسَنة 2017 تشكّل الذكرى المئوية الأولى لولادته، فهو من مواليد 6 كانون الأوّل 1917 في وقتٍ تأتي ذكرى اغتياله هذا الشهر في عامها الأربعين وهي العشرية الأقرب إلى اليوبيل الذهبي، فهو اغتيلَ في 16 آذار 1977.

وعليه، لم يكن ينقص الحزب التقدّمي وقيادته لحشدِ المحازبين والأصدقاء وأركان الطائفة للمِّ الشمل حول الذكرى سوى الحملة المنظّمة التي تشَنّ على الحزب ورئيسِه من داخل الطائفة وخارجها.

وهو ما سهّلَ تسويقَ نظرية الاستهداف التي يتعرّض لها الحزب ورئيسُه، فكانت شعارات عدة تحضّر للحشد الشعبي في هذه المرحلة على خلفية القول «إنّنا لسنا لقمة سائغة».. و«لسنا من الذين يؤكَل لحمهم بسهولة» و«لن يتمكّن أحد من إلغائنا». إلى آخر المنظومة من الشعارات التي اعتُمدت في الفترة الأخيرة تأكيداً على الخصوصية الدرزية المعترَف بها.

في هذه الأجواء جاءت الذكرى الأربعون لاغتيال جنبلاط الأب مناسبةً لن تتكرّر لشدِّ العصب الاشتراكي والدرزي في آن، والذي ساهمَ في تعميقه وتعزيزه ردّاتُ الفعل التي تركتها الزيارات المنظّمة للوفود الدرزية المعمّمة منها والمدنية إلى قصر بعبدا، وتلك التي رئسَها وزراء سابقون وحاليّون لتكونَ منصّة القصر منبراً لتوجيه الانتقادات المباشرة وغير المباشرة ضدّ جنبلاط في المواجهة المفتوحة حول قانون الانتخاب وقضايا أخرى تتّصل بملفات التعيينات الإدارية والعسكرية وتلك المنتظرة إدارياً.

وعلى رغم سلسلة الملاحظات التي رافقَت هذا الحشد السياسي ضدّ جنبلاط فقد استمرّ بلا وازع ولم يوفّر رئيس «التيار الوطني الحر» وقياديّون منه مناسبة اجتماعية أو نقابية أو حزبية لتوجيه السهام، ما زاد من نسبة الاحتقان.

وما زاد الطين بلّة أن تناول وزير الخارجية جبران باسيل من دون أيّ مناسبة الحديثَ عن ضرورة إنشاء مجلس الشيوخ واقتراحه أن يكون رئيسه مسيحياً، عملاً بالتوازن المطلوب بين الرئاسات، بحيث تكون رئاستان للمسيحيين واثنتان أُخريان للمسلمين، لتزيدَ من قدرة القيادة الاشتراكية على استغلال هذه الهجمة والإفادة منها إلى أقصى الدرجات في السياسة والطائفة والانتخابات.

وعليه عرَف الحزب التقدّمي طريقة الإفادة من المناسبة، فعمّم على وسائل الإعلام فصولاً من التحقيقات وأفلاماً عن وقائع الجريمة التي طاوَلت جنبلاط قبل أربعين عاماً، ما زاد من قدرة الحزب على الحشد إلى حدود خوف الخصوم من «تسونامي» إلغائي قد تشهده المختارة في عطلة نهاية الأسبوع.

وإلى هذه الحسابات المرتبطة بذكرى الاغتيال لا يمكن المراقبين تجاهل النيّة الموجودة لدى القيادة الاشتراكية لاستغلال المناسبة لإطلالةٍ هي الأولى لتيمور وليد جنبلاط الذي يستعدّ للدخول إلى المعترك السياسي من بوّابة الانتخابات النيابية المقبلة تمهيداً لخوض غمار القيادة الحزبية بعد اكتمال العدة الواجب توافرُها قبل ارتداء العباءة القيادية باعتراف القيادتين السياسية الحزبية والروحية الدرزية التي كانت تتهيّب المناسبة قبل أن يخوض جنبلاط الإبن غمارَ استحقاق المرجعيتين السياسية والحزبية.

وثمّة من يعتقد أنّ هذه المناسبة ستكون المثلى لإتمام الاستحقاق النيابي والحزبي، وقد لا تتكرّر مرّة أخرى، فالعطف الذي يَحظى به الحزب في هذه الفترة الأخيرة لم يكن ليتحقّق لو لم تتضافر كلّ هذه العناصر بعضها مع بعض. فالظروف السياسية التي تعيشها الطائفة اليوم ومعها الجبل ووادي التيم لم تكن لتتوافر لو لم يبادر العهد إلى الهجمة عليه وتحميله وزرَ كثيرٍ من المواقف في قانون الانتخاب واستحقاقات أُخرى.

رغم وجود اقتناع لدى كثيرين بأنّ موقفَه استُخدم للتلطّي خلفه في كثير من القضايا، ولعلّ أبرزها قانون الانتخاب وقضية مجلس الشيوخ، عدا عمّا رافقَ تشكيل الحكومة الأخيرة من إشكالات حرَمته من واحدة من الحقائب الخدماتية التي كانت في حوزته نتيجة النزاع الذي حصَل بين قصر بعبدا وعين التينة فدفعَ جنبلاط جزءاً من الأثمان التي ترتّبت على هذا النزاع.

في أيّ حال يَجزم العارفون أنّ ذكرى اغتيال جنبلاط هذه السنة ستكون لافتةً وجديدة في شكلها ومضمونها لتأكيد قوّة هذه المجموعة السياسية والطائفية وخصوصيتها، على رغم اعتراف مسؤولين في القيادة الحزبية بأنّ خطاب جنبلاط سيكون هادئاً وموزوناً ولن يردّ على ما يتعرّض له بالمِثل، فهو سيواجه بهدوء أعصاب طالما إنّ خصومه في الطائفة باتوا في مربّع التوجّس من استعادة جنبلاط صدارتَها، على عكسِ ما أرادته الحملة عليه.

علماً أنّ ما ستشهده المختارة سيكون مشهداً جديداً يعزّز موقفَ جنبلاط ممّا هو مطروح، فكيف إذا كان سينال ما يكفي من الدعم من حلفائه في عين التينة و«بيت الوسط» ومواقع أخرى في المواجهات السياسية المرتقَبة.

وعلى الهامش يروي أحد القياديين الاشتراكيين نقلاً عن الرئيس الراحل كميل شمعون الذي لام «القوات اللبنانية» يوماً على دخولها الجبل. فقال لأحد قياديّيها: «أمضيتُ أربعين عاماً وأنا أُفكّك في الدروز فلمّيتوهم في أسرع وقتٍ ممكن».

فهل كرّرَت السلطة السياسية التجربة نفسَها هذه المرّة لتشهدَ المختارة ما ستَشهده الأحد المقبل. وعليه سُمِعَ جنبلاط يقول في سرّه: «شكراً للعهد ورجالاته وتيّاره لمّيتونا من جديد حول المعلّم»؟!