غالبيّة اللبنانيّين والعرب لا تعرف المملكة العربيّة السعوديّة إلّا من خلال الإعلام المُوالي لها
 

 والإعلام المُعادي لها. فالمُوالي يناصرها ظالمة أو مظلومة حرصاً على مكاسب ومنافع، وتأييداً لموقف سياسي أو ديني، وطلباً لحماية تؤمّنها له مباشرة إذا استطاعت وعلى نحو غير مباشر إذا عجزت، أي بالاستعانة بحلفائها الدوليّين وفي مقدّمهم أميركا. أما المُعادي فلا يرى الخير الذي تعمله لشعبها ولأمّتها، ويركّز على تفاوت معاملتها لأبناء شعبها لأسباب معروفة، وعلى الإفادة من الدين بل على الإستناد إليه للمحافظة على السلطة رغم الخطر الذي بدأ يشكّله عليها المُغالون ليس في تديّنهم بل في تشدّده من أبنائها. كما أنه يحرص على تصوير تصرّفات حكّامها مناقضة للدين الإسلامي الحنيف. في اختصار صار الإعلامان المذكوران أعلاه، وهما عربيّان وإسلاميّان، أداة في الصراع السياسي والقومي والمذهبي الناشئ في العالم الإسلامي بين المملكة والجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة. طبعاً لن نسترسل على هذا الصعيد ليس خوفاً من اتخاذ موقف بل لأن الهدف هو محاولة تعريف المُوالين والمُعادين للأولى بأنّها دولة تخطّط رغم عدم اكتمال مظاهر الدولة المدنيّة فيها ومؤسّساتها، وأن التخطيط كما الإعداد للمستقبل لا يقتصر على الثانية رغم أنّها نجحت في تسجيل نقاط على الأولى في هذا المضمار، وفي ظل ظروف إقليميّة ودوليّة صعبة جدّاً.
ويكفي في هذا المجال الغوص في الرحلة الآسيوية الواسعة التي يقوم بها العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز لإظهار التخطيط والاستراتيجيا وإن متأخّرتين، وللإشارة إلى أن الهدف منها ليس الراحة فقط رغم أن ضخامة الوفد والمُرافقين يعطي عادة انطباعاً مختلفاً في المنطقة والعالم. والمعلومات المتوافرة، عند باحث آسيوي نشط وجدّي ومُتابع لكل القضايا المهمّة والخطرة في المنطقة، تشير إلى أن توقّفه في جزر المالديف يُظهر كيف أن هذا الأرخبيل المعروف عادة بأنه واحة للسياحة والراحة على أعلى المستويات صار لاعباً "مفتاحيّاً" في صراع إقليمي على النفوذ. فالرياض وبيجينغ يعملان بجد لاكتساب رضى جُزُره المنتشرة في المحيط الهندي بطول 820 كيلومتراً. وهدفهما يُرجّح أن يكون الحصول على موافقات لإقامة قواعد عسكريّة. فالصين ترى في الجزر "عقداً من اللؤلؤ" أي صفّاً من المرافئ على طرق التجارة والنفط التي تربط المنطقة بالشرق الأوسط. في حين أن السعوديّة تعتبر أن الجُزُر أضافت لها ميزة بجعلها على مسافة ثلاث ساعات من ساحل عدوّها الإيراني. والبناء المُحتمل من الصين والسعوديّة أو من أحدهما للقواعد العسكريّة في هذه المنطقة يتكامل مع القواعد العسكريّة الأماميّة للدولتين في دولة جيبوتي (أفريقيا الشرقيّة) الكائنة على طريق التصدير الرئيسي للطاقة على مدخل البحر الأحمر.
وكي لا يعتبر أحد هذه المعلومات نوعاً من الخيال أو الوهم يشير الباحث الآسيوي نفسه إلى أن الرئيس السابق للمالديف محمد نشيد، الذي أخرجته من السلطة عام 2012 ومن البلاد تظاهرات شعبيّة رافضة رفع حكومته أسعار المواد الاستهلاكيّة ومحتجّة على الاقتصاد الفقير لبلادها، يقول: "يريدون قاعدة في دولتنا لتحمي طرق التجارة وطرق النفط التي توصل منتجاتهم إلى أسواق جديدة. وذلك يحتاج إلى تجهيزات و"حصون" استراتيجيّة وبنى تحتيّة".
ماذا يعكس هذا التصاعد للمصالح السعوديّة والصينية في دولة المالديف؟ يعكس، في رأي الباحث الآسيوي نفسه، ازدياد التعاون العسكري بين الرياض وبيجينغ. "فالصين تريد أن تدفع العلاقات العسكريّة مع السعوديّة إلى مستوى جديد". هذا ما قاله وزير دفاعها شانغ وانكان لنظيره السعودي الزائر وليّ وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان في شهر آب الماضي. وبعد أشهر وتحديداً في تشرين الأول الماضي أجرت قوّات مكافحة الارهاب من الدولتين أوّل تدريب مشترك (مناورة) بين الجيش الصيني وقوّة عربيّة نظاميّة.
ماذا يريد الملك سلمان بن عبد العزيز من جولته الآسيوية؟
تأتي الجولة في غمرة تفاوض على تنمية وتطوير أو على شراء 19 جزيرة منخفضة ومهدّدة بأن يغمرها البحر تبعد 120 كيلومتراً جنوب عاصمة المالديف في مقابل عشرة بلايين دولار. والمشروع سيكون بناء مرافئ ومطارات ومنتجعات سياحيّة ومناطق اقتصاديّة خاصة. ويرجّح الخبراء استناداً إلى الباحث نفسه موافقة على تملّك السعوديّة إذا أنُشئ 70 في المئة من المشروع على أراضٍ مستصلحة.