لعلها من المرّات النادرة التي يذهب فيها لبنان إلى القمة العربية بخطوات ثقيلة متوجساً من الأجواء السلبية التي تحيط العلاقات اللبنانية مع الأشقاء العرب، عشية انعقاد قمّة عمّان نهاية الشهر الحالي.

لم يعد بالإمكان إخفاء «الأزمة الصامتة» المتجددة مع دول مجلس التعاون الخليجي، اثر تجدد حملة «حزب الله» على القيادات الخليجية وخاصة السعودية والإماراتية، من دون ظهور اي موقف رسمي يخفف من وقائع الصدمة، ويطوق تداعياتها وهي في المهد.

هي من المرات النادرة التي سيشعر فيها لبنان بشيء من العزلة، والابتعاد العربي عنه، والذي قد يترجم بسقوط بند التضامن مع لبنان ضد الاحتلال الإسرائيلي لمزارع شبعا، وعدم التعاطف في القضايا والملفات التي سيطرحها الوفد اللبناني في قمّة عمّان!

المفارقة ان الدبلوماسية اللبنانية غائبة عن متابعة هذا التردي في العلاقات مع الأشقاء، والعمل على الحد من التدهور، ووزير الخارجية منهمك في طبخة قانون الانتخابات، وفي سلم أولوياته ترسيخ قيادته للتيار الوطني، والاستغراق في حسبة تعداد الكتلة البرلمانية في المجلس النيابي الجديد، وفي ظل رئاسة مؤسس التيار الرئيس ميشال عون.

وإذا كان وزير الخارجية «معجوقاً» في الملفات الطارئة، فالمرجعيات الرسمية الأخرى، وخاصة رئيس الحكومة وفريقه، تعطي الاولوية لإقرار الموازنة، التي كادت مناقشاتها تتحوّل إلى مسلسل تركي، مع كل ما تتضمنه تلك المسلسلات من صدمات ومفاجآت، ومراحل صعود وهبوط في العمل الدرامي!

* * *

والرئيس سعد الحريري، الذي يملك شبكة مهمة وفعالة من العلاقات العربية يُدرك أكثر من غيره، وقياساً على تجارب سابقة، أن علاقاته وصداقاته مع كبار القوم في الدول العربية، لا تكفي إذا لم تلتزم الاطراف اللبنانية، وخاصة حزب الله، بمقتضيات الحفاظ على علاقات الأخوة والتعاون والتضامن مع الأشقاء العرب، ومبادلتهم وقوفهم الدائم الى جانب لبنان في أزماته وملماته، ومسارعتهم الى لملمة الاوضاع ومعالجة جراح وآثار كل عدوان إسرائيلي على لبنان.

وبانتظار أن «يقتنع» الحزب والأطراف المعنيون، بأهمية العلاقات مع الدول العربية، التي تشكّل الرئة الاقتصادية والمالية التي تمد الاقتصاد الوطني بالأوكسجين اللازم، سيبقى الوطن الصغير يُعاني في مواقع الحرج والقلق في حال استمرت المقاطعة الخليجية الحالية للبلد.

واقع الأمر الذي يعرفه كبار المسؤولين اللبنانيين، أن الاجراءات الخليجية التي اتخذت في العام الماضي، ما زالت سارية المفعول، وكان لبعضها أن يأخذ طريقه الى التجميد أو الالغاء الكلي، ولكن نكسة الشهر الماضي التي ضربت التحسّن الأخير في العلاقات اللبنانية – الخليجية، أعادت الأمور الى نقطة الصفر، بل اوقفت سلسلة خطوات إيجابية كانت في طريقها الى التنفيذ من جانب الأخوة الخليجيين، بما فيها مساعدات عسكرية للجيش من جانب السعودية، وقرارات برفع الحظر عن سفر المواطنين الاماراتيين إلى لبنان.

وعوضاً عن كل ذلك، برز الاعتراض الخليجي في اجتماعات الجامعة العربية في القاهرة، على بند التضامن مع لبنان!

«الأزمة الصامتة» مع الأشقاء قد لا تبقى في دائرة الصمت والسيطرة، إذا لم يُبادر لبنان الى إرسال وفود وزارية إلى العواصم العربية متسلحة بالتزام داخلي، خاصة من «حزب الله»، بتحييد العلاقات العربية عن الصراع العربي – الإيراني المحتدم في المنطقة ومراعاة الأخوة وحسن العلاقات مع الدول التي كانت السند الأوّل والدائم للبنان.

فهل تنطلق «وفود الأخوة» إلى بلدان الخليج العربي، وتعمل على تنقية الأجواء قبل القمة.. أم أن البلد واقتصاده سيبقى أسير المزايدات الداخلية، ويبقى السياسيون غارقين في دوّامة المصالح الفئوية والأنانية؟