لعل أهم سبب لهجران بيوت الله تعالى الذي أنبأ به الإمام الصادق (ع) عن آخر الزمان بقوله : {و رَأَيتَ بَيت اللَّه قد عُطِّل و يُؤمَرُ بِتَركِه} هو تحوُّلها إلى مصدر أذى وشُؤم بدل أن تكون مصدر طمأنينة وبشرى كما أراد الله سبحانه وتعالى مِن سَنِّ سُنَّة المَعابد في كل شرائع السماء .
 

 فقد تحوّلت بيوت الله تعالى إلى مراكز للجماعات والأحزاب المتناحرة فيما بينها بإسم الدِّين, حتى أنك لا تكاد تدخل مسجداً إلا وترى جدرانه مليئة بصور قادة هذه المنظمات وقتلاهم وشعاراتهم وأقوالهم, حتى تكاد لا ترى آية قرآنية أو رواية نبوية مُعُلّقة بين تلك الصور والشعارات, مع أن الله تعالى أمر بإخلاء المساجد إلا من ذكره وما يُذكِّر به , فقال عزَّ مِن قائل {وَ أَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً} ولكن هؤلاء يَلتفُّون على مدلول هذه الآية ويجعلون من أشخاصهم وصُوَرهم وأقوالهم طُرُقاً مُوصِلة إلى الله تعالى ومُذَكِّرة به, وأن أمرهم من أمر الله !!

وقد تدخل بيتاً من بيوت الله تعالى وترى فيه الخطيب يتكلّم بما يثير الفتنة بين المؤمنين أو يدعوا الناس لطاعة المخلوقين من قادة الأنظمة أو المنظمات أو فعاليات المجتمع على اختلافها, حتى أنّ المساجد باتت في كثير من الأحيان مصدراً للفتن . فكم من قتيل أو جريح أو يتيم أو أرملة من المسلمين والمؤمنين بسبب هؤلاء الشياطين المتسلِّطين على بيوت الله تعالى مِن {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعا} !!

وعندما تصبح بيوت الله تعالى سبباً للأذى والفتن, يُصبِح الدول إليها أمراً ترفضه النفوس . فبدل أن تدخلها فتذكرك بالله تعالى وتُنسِيَك كل ما هو دونه سبحانه, فقد صار الدخول إليها يُذكّرك بالناس والأصنام البشرية الذين ما دخلت بيوت الله إلا فراراً منهم بعدما باتت هذه الأصنام تُطاع و تُعبد من دون الله . 
نعم, عندها سوف يبتعد الناس عن المساجد طَلباً للأمان والسلامة وحفاظاً على مصالحهم التي قد تكون بيد جهات وتنظيمات أخرى تخالف تَوَجُّهات الجماعات المتناحرة التي تقاسمت هذه المساجد واحتلها وحولتها إلى مجرد مراكز حزبية بغير حق . 
فهذه الممارسات هي أخطر أسباب تخريب بيوت الله تعالى وتعطيلها, وهي ومَنعٌ لإسم الله تعالى من أن يُذكر فيها, ومنعٌ من إعمارها بالمصلين .
قال الغني الحميد في كتابه المجيد {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعى فِي خَرابِها أُولئِك ما كانَ لَهُم أَنْ يَدخُلُوها إِلاَّ خائِفِين لَهُم فِي الدُّنيا خِزيٌ ولهُم في الآْخِرَةِ عَذابٌ عَظِيم} .

الأحزاب لعنة شيطان !!