ما هي حال «الثنائية» العونية - القواتية؟ هل هي كما قدّمها طرفاها عند ولادتها على خير ما يرام، أم أنها تعاني وعكة صحية ووجعاً صامتاً مغطّى بكاتم للصوت لكي لا يخرج الى العلن؟
 

سؤال فَرضه ما يُحكى في الصالونات وكذلك في محيط «الثنائية» نفسها، عن مطبّات هوائية تمرّ بها العلاقة بين الطرفين في هذه الفترة، جعلتها ترجّ بعض الشيء، وأوّلها المطبّ الكهربائي الذي سقط فيه الطرفان وتبادلا فيه المزايدة بإصلاح كهربائي من هنا، وإصلاح صحي من هناك، وصولاً الى التعيينات الاخيرة التي بَدا جلياً انّ القوات اللبنانية خارجها كلياً، فيما حصة الأسد المسيحية كانت للتيار الوطني الحر.

واضح انّ الطرفين حريصان على عدم إظهار ايّ شكل من أشكال التباين حول ايّ من العناوين، لكنّ معلومات أحد السياسيين تؤكد «أنّ الخيل يلعب بينهما... وأنا مسؤول عن كلامي».

يعني ذلك انّ ما ظهر خلال التوتر الكهربائي وما تلاه في موضوع التعيينات هو القشّة التي أظهرت رأس جبل الجليد القائم بين الطرفين. وهو ما تقرّ به شخصية سياسية تنتمي الى أحد طرفي الثنائية بقولها صراحة: «العلاقة ليست «waw»، إنما هي علاقة عادية ومستقرّة».

تلك الشخصية، وهي من النوع الذي يعرف أدقّ التفاصيل المحيطة بالثنائية تحديداً، ترسم صورة لِما بلغته هذه العلاقة كما يلي:

• مرحلة شهر العسل والاستثمار المتبادل انتهت، وحلّت مكانها مرحلة المصالح الآنيّة، هذا ما يحكم العلاقة حاليّاً. وبالتالي، القول انّ العلاقة تراجعت الى المربّع السلبي هو غير دقيق، بل عادت الحسابات الدقيقة والمصلحية لتتحكّم بعلاقة كل طرف تجاه الآخر.

• إنّ التمايز بينهما تجلّى في أكثر من مشهد على ارض الواقع، والافتراق واضح وأكيد على بعض الاساسيات، من سوريا الى ايران وصولاً الى المقاومة في لبنان. وموقف رئيس الجمهورية الأخير من سلاح «حزب الله» سقط ثقيلاً على «القوات»، الّا أنها آثرت النأي بالنفس عن هذا الموقف لئلّا تُعلَّق الثنائية على خط التوتر العالي.

• أقصى ما أراده التيار الوطني الحر من «القوات اللبنانية» قد حصل عليه، بتبنّيها ترشيح الرئيس ميشال عون.

• لأنّ التيار متيقّن من الأساس من انّ دور القوات من البداية هو مساعد في الانتخابات الرئاسية، وليست هي جسر العبور الوحيد الى الرئاسة كما جرى الإيحاء، فقد قدّم التيار، ومن خلفه عون، أقصى ما يمكن أن يقدّمه لـ»القوات» كبدل أو تعويض عن موقفها في الانتخابات الرئاسية، وذلك عبر دخولها الى الحكومة بحضور مؤثر، وهنا قد يعتبر التيار أنه سدّد جزءاً كبيراً جداً من الدَّين.

• الملاحَظ انّ الحماسة التي ظهرت في بدايات ولادة الثنائية عن مناصفة او ما شابهها في الانتخابات النيابية او في التعيينات قد تراجعت، وبَردت الى الحدود الدنيا، لأنّ الحقائق سرعان ما طَفت على السطح وأظهرت انّ الحديث عن مناصفة لا ينسجم مع حقيقة الأمر، فبالنسبة الى التعيينات فإنّ اليد العونية هي الطولى في هذا المجال.

وهناك ما يشبه «الجوع العتيق» على هذه التعيينات واسترداد بعض المراكز الإدارية المسيحية من أيدي الطرف الآخر الذي أمسكَ بها منذ سنوات، وخصوصاً في التسعينات. واضح هنا انّ رئيس الجمهورية يحتكر التعيينات، فأين القوات منها؟

أمّا على المستوى النيابي فكما لا يصحّ الحديث عن مناصفة كلاماً، فإنّ هذه المناصفة لا تصحّ على أرض الواقع، ولا تنسجم مع حقيقة انّ التوجّه العوني هو نحو إقامة تحالف موضعي مع القوات حيث تقتضي المصلحة في بعض الدوائر الانتخابية وليس في الدوائر كلها.

فعون ومعه التيار الوطني الحر يعتبر نفسه أنه يمثّل الثقل المسيحي ويتصرّف على هذا الاساس، ولا يقبل أن يشاركه في ذلك أحد، لا الآن ولا في المستقبل. ما خَلا شراكة رمزية من قبل القوات وليس شراكة فاعلة.

- ربما «القوات» تقرأ حقيقة الواقع جيداً، وربما تناهى الى أسماعها «كلام كبير» قيل في مجالس معيّنة من انّ القوات، وخلافاً لِما يُقال إنها ستربح في الانتخابات النيابية، فإنها ستخسر»... ومن هنا سَعت جهدها ضمناً وعلناً، وما تزال، للوصول الى صيغة إنتخابية تحقق لها فَرض تمثيل وازن لها، من دون الحاجة الى الاستعانة بصديق يؤمّن لها مقاعد ترفع من نسبتها العددية. وعلى انّ أكثر الخطوات دلالة تلك التي بادرَ اليها رئيس حزب القوات سمير جعجع بإعلانه ترشيح فادي سعد عن أحد مقعدي البترون. فلماذا البترون؟ ومن المستهدف من هذا الترشيح ومن المستفيد؟

تنتهي الشخصية المذكورة الى القول: قد يكون ما هو غير مُعلن أكثر وقعاً ودوياً ممّا هو معلن. وما يمكن أن نسمّيها حالياً «المساكنة الإيجابية» بين القوات والتيار قد تصبح غير ذلك في المدى المنظور، وليس في المدى البعيد.