قضية الفساد في لبنان من القضايا الأساسية التي تفتك بجسم الوطن والإدارات الرسمية والخاصة وبالتالي فقد أصبح المواطن اللبناني يتعايش مع هذه الآفة دون التفكير بأي حلول وبغياب كامل لخطوات المعالجة
 

 إن  كلمة الفساد في لبنان أصبحت صفة يتناقلها اللبنانيون في كل يوم وكل ساعة وأي مكان وبأي حديث يرتبط بدولتهم، أولعلها صفة للتعريف عن واقع الحال وما يعيشه المواطن اللبناني كل يوم في لبنان، فالفساد لم يعد يقتصر على عمل إدارة الدولة اللبنانية، بل هو فساد سياسي بإمتياز، يعاونه فساد إقتصادي، مالي، وإجتماعي مكلل بالفساد الإداري كل شيء فاسد في هذه البلاد..
إن الغريب في الأمرعينه أن الفساد اليوم ينتشر ليس فقط بشكل كبير لا بل  بشكل عشوائي، ولا يأبه له القيمون على الدولة لأنهم في معظم الأحيان يكونون جزءًا منه، وتكمن الخطورة أيضًا أن المواطن ركب أمواج الفساد فاسدًا كان أو مفسدًا، إذ أن وعلى سبيل المثال ما إصطلح اللبنانيون على تسميته "الإكرامية" وهي في الحقيقة رشوة لتسهيل معاملة ما، فالإكرامية التي تبدأ مع النادل في المطعم هي في الحقيقة رشوة لتحسين خدمة الطاولة مع العلم أنه من واجب المطعم تقديم خدمة رائعة، ويتوسع الوصف وصولًا إلى كبرى الشركات في لبنان التي توزع شيكاتها على بعض الوزراء والنواب، ونقول البعض، كإكراميات مسبقة على خدماتهم لتسهيل أعمال تلك الشركات، إذ أنه من البديهي أن رواتب بعض الوزراء والنواب لا تكفي لحياة البذخ التي يعيشونها، وبالأحرى التي تعيشها عائلاتهم.

إقرأ أيضًا: مؤتمر وزارة الإعلام مجموعات عملت على تشويش الأجواء في قاعة المؤتمر
إن اللبنانيون إعتادوا في بلدهم على كلمة تسوية أوضاع، وبالتالي فإن القانون لم يعد صارمًا، كما وأنه لدى أي مخالفة هنالك مفاتيح وقنوات لتسوية الوضع، وهذا يعطي بعض الموظفين بابًا لإستغلال مناصبهم من أجل الكسب غير المشروع، ونقول غير المشروع لأنه يخفف على المواطن من أعباء مالية وفي نفس الوقت يقلل على الدولة من تحصيل رسومها، وبالتالي يستفيد من إكراميات تفوق أحيانًا على راتبه الثابت.
كما وأن هنالك أمرا أساسيًا يمنع الفساد لكنه مغيب في لبنان، ألا وهو هيبة الدولة، فأكبر موظف حكومي رسمه لا يفوق ال 300 $ لتسهيل لك معاملاتك وهذه الأمور يصح رؤيتها في النافعة أو في وزارة العمل وغيرها. 
ولعل هيبة الدولة المفقودة بسبب المحاصصة الموجودة للقوى السياسية الفاعلة، إذ أنه وبالنتيجة العلمية والموضوعية من تكون الدولة، فالدولة هي مجموعة القوى السياسية الفاعلة في البلد والتي لها تمثيلها النيابي والحكومي، والهيبة تأتي من خلال تطبيق القوانين والأنظمة المرعية الإجراء، لكن ما يحصل أن كل طرف يقضم من هيبة الدولة ليمارس هيبته الخاصة، وعليه فإن القوانين أصبحت تحت نفوذ القوى السياسية، إن لم نقل المذهبية.
وبطبيعة الحال فالقضاة يطمحون إلى تحسين أوضاعهم عبر تبؤ مناصب عليا أو العمل في مناطق معينة أو أقسام محددة، وكل ذلك تحت نفوذ الطبقة السياسية لأنه من دون موافقتها لا تتم المناقلات القضائية.
أما فيما خص موظفي الإدارة من كافة الفئات فالمدعوم لا يقترب منه التفتيش المركزي إطلاقًا، لأنه معين من قبل هذا الزعيم أو ذاك، أو تابعًا لهذا الطرف السياسي أو المذهبي، وكل ذلك يضعف من قوة الدولة ووجودها ودورها، والمواطن بالتالي يستقوي عليها عبر عدم إحترامه القوانين والأنظمة لأن يدرك مسبقًا أن كل أموره تحل بالواسطة أو بالإكراميات.

إقرأ أيضًا: هل حقا أصبحنا مسخرة التاريخ ؟
وبالتالي فإن الفاسد هو هذا الطقم السياسي الذي فضل وجوده على وجود الدولة، وإعتبر أنه حامي الدولة وليس الدولة الحامية له، وبدل أن يأخذ الجميع درسًا من دروس الحرب الأليمة والتي عصفت في لبنان على مدى عقود، فإنهم وجدوا بالتقوقع الذاتي منطلقًا لقوتهم وليس لدعم الدولة وتقويتها. 
لبنان هو ضحية الفساد المستشري من قبل الفاسدين والمفسدين على حد سواء، والمواطن الذي يعاني من هذه المعضلة هو مساهم أساسي لحدوثها لأن الثقة المعطاة من قبله للطاقم السياسي المتمثل بالقوى السياسية هو في غير محله، ولا بد من ثورة من الذات تبدأ أولًا وأخيرًا.