القانون الانتخابي مستوطن الدائرة الرمادية، وبابه مشرّع على كل الاحتمالات. والقوى السياسية مستوطنة دائرة الاسترخاء وحبل الأفكار والمخارج الجدية مقطوع، لكأنّ هذه القوى سَلّمت بعجزها على ابتداع صيغة إنتخابية ولَو بتوافق الحد الأدنى.الوقت يمضي، والشريحة الواسعة من اللبنانيين تحصي أنفاس السياسيين، وتتجاذبها مزايدات ومناكفات وتهويل من هنا وهناك، وفوق ذلك، كذبة يجري تسويقها: «التسوية التي أنهت الفراغ الرئاسي وفرضت انتخاب رئيس للجمهورية هي التي ستقول كلمتها في نهاية المطاف وتفرض القانون الانتخابي الملزم للجميع».
 

الواضح في هذا الجو انّ انتظار اللبنانيين سيستمر ويطول الى أن يقضي الله امراً كان مفعولاً، هذا لسان حال الكثير من السياسيين، وبعضهم يرى «أنّ الحديث عن تسوية من هذا النوع ليس أكثر من كلام فارغ لا قيمة له.

أكثر من ذلك إن صَحّ رهان البعض على الخارج في ملف قانون الانتخاب، فذلك إن دَلّ على شيء فعلى قصور ذهني وسياسي في آن معاً. ذلك انّ الوصول الى قانون مَرهون بتنازلات متبادلة من كل القوى السياسية، وغير ذلك يبقى مضيعة للوقت وحرقاً للأعصاب».

يدعم هذا المنطق، ما يقوله أكثر من مسؤول سياسي ورسمي: لسنا على أجندة أحد في الخارج، لا الخارج العربي والاقليمي ولا الخارج الغربي والدولي»، بدليل انّ حركة السفراء والديبلوماسيين ولقاءاتهم مع المراجع والمستويات السياسية والرسمية والحزبية تدور حول مجموعة العناوين اللبنانية ذاتها في السياسة والامن إضافة الى التطورات المتسارعة في المنطقة ربطاً بالأزمة السورية والحرب على الارهاب.

العنوان الانتخابي يأتي أولاً بوصفه الأكثر حضوراً على المسرح السياسي، تُقاربه الحركة الديبلوماسية بأسئلة واستفسارات وتكتفي بإسداء نصائح لا اكثر، من دون ان تقدّم وصفة علاج شاف: هل ستجري الانتخابات النيابية؟ هل لدى لبنان الجهوزية لإتمام هذا الاستحقاق؟

هل ستتمكنون من الوصول الى قانون جديد؟ ماذا لو تعذّر ذلك فهل ستعودون الى قانون الستين ام ستلجأون الى التمديد لمجلس النواب من جديد؟ ما هي احتمالات الوصول الى فراغ نيابي؟ وما هي احتمالات تداركه قبل السقوط فيه؟

هذه الاسئلة تنمّ عن إلمام كامل بكل التفاصيل الانتخابية حتى بلغة الاحصاءات والاستطلاعات؛ قال أحد السفراء لمرجع رسمي: «وقعت في أيدينا بعض الاستطلاعات فيها شيء من الموضوعية وبعضها الآخر ينطوي على مبالغات كثيرة».

وتلقّى المرجع نفسه نصيحة ديبلوماسية واضحة بوجوب إجراء الانتخابات النيابية في موعدها بصَرف النظر عن شكل القانون، لأنّ إجراءها يشكّل عاملاً محصّناً أكثر للاستقرار اللبناني، وعدمه يفتح لبنان على احتمالات أخطرها الفراغ الذي نخشى معه دخول لبنان في وضع حرج ومعقّد سياسياً، ومهدّد أمنياً. وختمت النصيحة بأسئلة كثيرة عن «حزب الله» وما يمكن ان يقدم عليه من خطوات وغير ذلك سواء في السياسة أو في الأمن.

أمّا العنوان السياسي، فتقاربه الحركة الديبلوماسية من زاوية الارتياح للمسار الحكومي وأداء رئيس الحكومة، ومن زاوية الحذر من الموقف الرئاسي من سلاح «حزب الله»؛ أحد السفراء الغربيين عَكسَ قبل ساعات ما هو أكثر من استياء، بقوله في مجلس خاص: «لسنا مرتاحين لهذا الموقف الذي استفزّ المجتمع الدولي، ويشاطرنا في ذلك سفراء عرب ايضاً، وقد أوصلنا رسائل بهذا المعنى الى السلطات اللبنانية، قلنا صراحة إننا نُثمّن موقف لبنان بالنأي بالنفس، وأهمّ من ذلك تمنّينا ألّا تأتي المراجع السياسية بمواقف وخطوات قد تترتّب عليها سلبيّات على لبنان، فضلاً عن أنّ هذه المواقف تُحدث انشقاقاً لبنانياً، إذ إنها تعبّر عن وجهة نظر فئة من اللبنانيين وليس عن وجهة نظر كل اللبنانيين. وقد ارتحنا لتمايُز الرئيس سعد الحريري خارج إطار هذا الموقف.

ويشكل العنوان الأمني عامل قلق للديبلوماسية الغربية، التي ترى انّ الاستقرار اللبناني على أهميته يبقى هشّاً في ظل القنابل الموقوتة المزروعة في داخله، وأولها المخيمات الفلسطينية وما تحويه من عناصر تفجير. قال سفير دولة كبرى: لديّ قلق جدّي من التفجير الأخير في مخيم عين الحلوة وما قد يَستتبعه لاحقاً لأنّ الفتيل ما زال موجوداً، وما يزيد قلقي انّ لدينا معطيات تجعلنا نعتقد بوجود جهود لبعض الاطراف الخارجية المرتبطة بالارهاب لمحاولة هزّ لبنان ووَضعه في عين العاصفة، وقد نَبّهنا المسؤولين اللبنانيين الى هذا الخطر، بالاضافة الى الخطر الموازي المتأتي من بعض المخيمات السورية وتنامي الارهاب فيها، وصولاً الى احتمال تسخين الحدود الجنوبية للبنان ووضع القرار 1701 في دائرة الخطر..

ومن هنا، فإنّ التفاهم السياسي القائم حالياً في لبنان، معطوفاً على التفاهم بين الدول التي يعنيها لبنان، يُعزّز الفرصة أمام هذا البلد لتجاوز هذه المخاطر وعدم الوقوع فيها أو التأثّر بها».

وامّا في العنوان الاقليمي ربطاً بلبنان، فتؤشّر الحركة الديبلوماسية الى تطورات كبيرة ستشهدها المنطقة في الفترة المقبلة والحرب على الارهاب وتحديداً على داعش ستشهد تطويراً نوعياً لها بدءاً من الرقة وصولاً ربما الى الحدود مع لبنان.

ويقول سفير الدولة الكبرى: هناك قلق في لبنان ممّا يسمّيه اللبنانيون إرهاباً عابراً للحدود إنطلاقاً من سوريا. ربما لديهم الحق في أن يقلقوا، لكنّ الحرب على الارهاب في سوريا تحديداً تمكّنت من إبعاد الارهابيين جغرافياً عن لبنان. +

وبالتالي، إنّ وصولهم إليه يعتبر شديد الصعوبة. وأمّا في ظل الحديث عن احتمالات حرب إسرائيلية على لبنان، فعلى رغم ارتفاع وتيرة التهديدات المتبادلة بين «حزب الله» وإسرائيل فإننا لا نعتقد بوجود مخاطر على لبنان من الجبهة الجنوبية، فضلاً عن اننا لم نلاحظ إشارات اميركية او اسرائيلية في هذا السياق. نقول: نعتقد انّ احتمالات الحرب مساوية لاحتمالات اللاحرب، لكنّ هذا لا يعني إخراج هذه الجبهة من دائرة الرصد.