منذ شهرين تقريباً عرضت المملكة العربية السعودية بوصفها مؤسِّسة "التحالف العسكري" (الإسلامي) لمحاربة الإرهاب قبل سنتين، على رئيس متقاعد للأركان في الجيش الباكستاني هو الجنرال رحيل شريف تولّي قيادته. طبعاً لم يتم التعيين حتى الآن، علماً أن قبوله قد يكون إشارة واضحة إلى قدرة العالم الإسلامي على تحرير نفسه من التأثير المدمّر "للمحافظة السُنّية المتشدّدة على الطريقة السعودية"، وعلى العمل الجاد لإقامة جسر بين المسلمين بدلاً من زيادة انقساماتهم المذهبيّة، في رأي باحث آسيوي مُطّلع جداً. كما أنه يصيب عصافير عدّة بحجر واحد. فالتحالف الذي يسمّيه البعض "حلفاً أطلسيّاً مسلماً" أُسّس لدعم التدخّل العسكري غير الحاسم في اليمن ولمواجهة إيران. وهو لا يزال يحتاج رغم تدريباته العسكريّة قيادة مشتركة وبنية تحتيّة لها. وتعيين الجنرال شريف ربما يساعد على تحويله قوة ذات صدقيّة من شأنها التغلّب على شعور التردّد الواسع حياله في العالم الإسلامي. فضلاً عن أنه يكافئه لمعارضته قرار مجلس النواب الباكستاني عام 2015 رفض طلب السعودية إرسال قوات عسكرية لمساعدتها في اليمن. طبعاً لا ينسى أحد في المنطقة تفاجؤ المسؤولين السعوديّين بالقرار لمعرفة الجميع أن باكستان تحتل المرتبة الأولى عالميّاً في لائحة المستفيدين من الحكومة السعوديّة ومن المؤسّسات غير الحكومية في المملكة، ولمعرفتهم أيضاً باعتمادها على التحويلات المالية لأبنائها العاملين في المملكة وعددهم كبير. وتجدر الإشارة هنا إلى أن تعيين الجنرال شريف سيصبّ في مصلحة رئيس الحكومة نواز شريف، والاثنان لا تربطهما قرابة عائلية، لأنه مثله كان مؤيّداً لاستجابة طلب المملكة السعودية مساعدة عسكريّة مهمّة من بلاده لحربها في اليمن. فضلاً عن أن ذلك يزيح من دربه عسكريّاً متمرّساً مؤهّلاً لأن ينافسه في السياسة لاحقاً. لكن استمرار التعيين المقترح غير محسوم يؤشر إلى التوتّر بين الرياض وإسلام أباد اللّتين كانتا أقرب عاصمتين لبعضهما في العالم. ومن الأدلّة على التردّي في العلاقة انخفاض التحويلات المالية من باكستانيّي السعودية نحو 5٫8 في المئة. ومنها أيضاً تفجير مواطن باكستاني عاش في المملكة 12 سنة نفسه في موقف سيارات قرب القنصليّة الأميركيّة في مدينة جدّة. ومنها ثالثاً توقيف المملكة 15 باكستانيّاً للاشتباه بكونهم "مقاتلين"، وباشتراك اثنين منهم في محاولة الهجوم على "ملعب الجوهرة" بشاحنة مفخّخة بـ 600 كيلو من المتفجّرات في أثناء مباراة كرة قدم بين فريقين سعودي وإماراتي استقطبت ستّين ألف متفرّج.
ما هو منشأ هذا التطرّف المؤدّي إلى التكفير والقتل؟ يجيب الباحث الآسيوي المُطّلع جدّاً أن تحالفاً قام حديثاً بين "داعش" أو "الدولة الإسلامية" و"طالبان" الباكستانيّة هدفه فرض تنفيذ "قانون الشريعة الإسلاميّة بحرفيّته"، وأنه المسؤول عن مجموعة اعتداءات أودت بحياة أكثر من 80 شخصاً. وما يعقّد مكافحة باكستان "الجهاديّة" المذكورة هو الدعم المزمن الذي قدّمه لها زعماء سياسيّون وقادة عسكريّون ومخابراتيّون فيها. والعربيّة السعوديّة دفعت في هذا الاتجاه وجعلته جزءاً أساسيّاً من المجتمع والتعليم وفروع الحكومة وأذرعتها العسكريّة والاستخباريّة. وما يعقّدها أيضاً العلاقة الإشكاليّة لباكستان مع أقلّياتها الدينية والاتنية. وهو ما يعقّد أيضاً بتّ العرض المقدّم للجنرال رحيل شريف لقيادة "التحالف العسكري" المسلم ضد الارهاب (اليمن). لكن العامل الأكثر تعقيداً في هذا المجال هو الحدود الجغرافيّة الطويلة بين باكستان وإيران، وهو معرفة الأخيرة أن الأولى والسعوديّة خاضتا مواجهة معها بالوكالة بل صراعاً حادّاً قادته "الأجهزة" ونفّذته التنظيمات الإسلاميّة المتطرّفة، وهو اعتبار إيران تعيين الجنرال شريف انضماماً كاملاً لباكستان إلى محور السعوديّة المعادي لها والمُحارب لها مباشرة في اليمن ومُداورة خارجه. وتفيد معلومات الباحث نفسه أن الجنرال المُدرك كل ذلك وضع شروطاً لقبوله قيادة "التحالف العسكري" لا تقبلها السعودية مثل دعوة إيران إلى الانضمام إليه. وتفيد أيضاً أن إيران أبلغت إلى باكستان أنها ستعمل معه إذا قبل "القيادة" للتوصّل إلى تسوية مُتفاوض عليها لحرب اليمن. لكن يبدو أن السعوديّة ترفض ذلك. وهذا ما أوحى به وزير خارجيّتها عادل الجبير حين قال في "مؤتمر ميونيخ" الأخير: "تبقى إيران أكبر راعٍ للارهاب في العالم، وتؤمن بتصدير الثورة وبأن الشيعة والمستضعفين ينتمون إليها وليس إلى بلدانهم الأصليّة. وإذا لم تغيّر ذلك من الصعب التعامل معها".