خلافاً لكل المواقف المعلنة، كان من المفاجئ فعلاً ان يعلن وفد المعارضة السورية مساء الأربعاء عن وضع مسألة الإنتقال السياسي في شكل جاد على طاولة المحادثات في جنيف ٤، وان موسكو مارست ضغوطاً جادة هذه المرة على النظام لكي يقبل بهذا، وخصوصاً بعدما نجح دائماً في ان يفرض موضوع الارهاب مدخلاً لأي بحث، بما يعطّل المفاوضات في ظل الخلاف على عملية تصنيف عشرات المنظمات بين معارِضة وإرهابية.
 

ولكن هل يعني هذا حصول تقدم او تحوّل يحسم هذا الموضوع، الذي أحبط دائماً كل المساعي والمؤتمرات، من منطلق تمسك موسكو ببقاء الرئيس بشار الأسد، على خلفية الذريعة التي تتكرر منذ ستة اعوام، وهي ان الشعب السوري هو الذي يقرر مستقبله ويحدد موقع الأسد في عملية الإنتقال السياسي، ثم نكتشف فجأة ان سيرغي لافروف كان يعكف على كتابة الدستور السوري الجديد نيابة عن هذا الشعب!
تتحدث تقارير ديبلوماسية غربية عن ان موسكو كانت تراهن على ان تكون معركة إستعادة حلب باباً يفضي الى وقف النزاع والبدء بحل الأزمة، ولكن سرعان ما تبين ان هذا الرهان كان واهماً، لأن تقاطع القوى وتعدد التنظيمات والتدخلات الاقليمية، تكفّلا إبقاء النزاع متأججاً في مناطق أخرى وهو ما يرتب على موسكو التورط أكثر فأكثر في الرمال السورية الدموية.
وهكذا قررت موسكو ان تعمل على خطين متوازيين، خط أستانا الذي يسعى الى التهدئة ووقف النار، وخط جنيف الذي يسعى الى تحريك مؤتمر جنيف. سيرغي لافروف الذي هندس لقاءات أستانا حرص على حضور الإيرانيين اصحاب الكلمة النافذة في الميدان وعند الأسد، وبالتوازي مع ذلك بدأ التحضير للعودة الى "جنيف ٤"، في محاولة لتظهير حل سياسي يعطي الروس صورة لامعة، ولهذا كان من الملاحظ إرتفاع سقف الحديث في خلال مؤتمر فالداي عن "سوريا العلمانية" التي لن تكون سنيّة او علوية.
في الواقع لم يكن غريباً ان تنزعج موسكو ضمناً مما آلت اليه صورتها واوضاعها السورية، ففي حين يندفع الأميركيون كشركاء فاعلين مع العراقيين في القتال ضد "داعش" لتحرير الموصل، وعندما تتقدم الاستعدادات الأميركية لتحرير الرقة من التنظيم الإرهابي، يبدو الروس عالقين في القتال الى جانب النظام في معركة تقودهم الى مواجهات مع المعارضين كما مع الإرهابيين، وهذا لن يعطيهم في النهاية صورة الذي جاء بقضّه وقضيضه للقضاء على الإرهاب !
والمفاجآت مستمرة. فحين تدعو موسكو الى ضرورة ان يشارك الأكراد في محادثات جنيف، يعلن القائد العسكري للتحالف الدولي الجنرال الأميركي ستيفن تاونسند أن الأكراد السوريين سيشاركون في الهجوم لإستعادة مدينة الرقة من "داعش"، وقت تندفع تركيا لضرب الأكراد في منبج وهو ما يزيد المشهد السوري تعقيداً!