لم يتوقّف حزب الله يوماً عن المحافظة على تفوّقه العسكري داخل لبنان وعلى توازن الردع الذي حقّقه مع اسرائيل، بل لم يتوقّف عن تعزيز ترسانته العسكرية وعن الافادة من الخبرات التي كسبها من حروبه المتنوّعة بعد الربيع العربي.
 

هذا ما يقوله متابعون موضوعيون للأوضاع في لبنان والمنطقة و"الحزب". لكنهم يلفتون الى أنه بدأ ومن زمان إرساء وضع لبناني مؤيّد له وآخر غير قادر على الضغط عليه. وقد حقّق نجاحات مهمة إذ أوصل حليفه العماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية بعد سنتين ونصف سنة من رفض أعدائه. و"ألّف" حكومة له فيها ثلث ضامن أو معطّل قادر على إجهاض كل قرار مؤذ له. ولا يلغي هذه الحقيقة وجود زعيم "تيار المستقبل" سعد الحريري في رئاسة الحكومة. ذلك أن "رئاسته" مرّت "بفيلتر" "الحزب" الذي أظهر أن وضعه السياسي والشعبي والمالي والاقليمي ضعُف، وأن تقويته غير قريبة بل ممنوعة، وخصوصاً بعدما بدأ التنافس على المواقع والمكاسب وعلى ودّ "الحزب" للحصول عليها داخل فريقه. وما يفعله "حزب الله" على هذا الصعيد هو استباق لما قد تحمله الحرب السورية ومحاولات التوصل الى تسوية سياسية لها، بعد التدخل الروسي العسكري المباشر فيها قبل عام وبضعة أشهر، من مفاجآت غير سارة مثل عودة موسكو الى طرح الفيديرالية حلاً للأزمة في سوريا، ومثل عودتها الى قبول الخوض في صيغة انتقالية، ثم لاحقاً قبول حل يكون على حساب الرئيس الأسد ونظامه. ومثل مطالبتها بانسحاب "حزب الله" وقواته من الجبهة الجنوبية في سوريا. وهذه مطالبة تؤكد معلومات دقيقة ومهمة حصولها. لكنها لم تلقَ الموافقة من الثلاثي الحليف الأسد والقيادة الايرانية و"الحزب". علماً أن روسيا لم تصرّ عليها ربما لأنها أرادت وضع "الحزب" وحلفائه في مناخ ما قد يُطرح مستقبلاً من حلول جزئية ثم نهائية. وعلماً أيضاً أن الأسد لا يستطيع أن يقبلها أو حتى أن يبحث فيها إذا رفضتها حليفته إيران. والأخيرة ليست في هذا الوارد الآن على الأقل. وهي قادرة على التعطيل الكبير في حال الإصرار، خصوصاً أنها تعرف جودة علاقة روسيا بإسرائيل وحرص الأولى على تهدئة مخاوف الثانية من فتح "الحزب" وحلفائه جبهة عسكرية ضدها هناك. والمثل الأبرز القريب جداً على تيقّظ طهران ومتابعتها الأمور ما حصل في العراق أخيراً. فمن جهة أعلن السيد مقتدى الصدر موقفاً سياسياً وطنياً مقلقاً لها. وبعد أيام زار وزير خارجية المملكة العربية السعودية العراق لأول مرة منذ سنوات كثيرة، وأجرى محادثات مع كبار مسؤوليها من دون علم القيادة العليا في إيران، التي ردّت بواسطة العراقيين بعد أيام قليلة. إذ قاموا بتظاهرات ضد رئيس الحكومة حيدر العبادي في أثناء زيارته مدينة الكوت.
هل يعني الاستعداد الدائم لـ"حزب الله" وخصوصاً في لبنان أن إسرائيل لن تشنّ حرباً على الاثنين قريباً؟ أم هل يعني أن "الحزب" يعدّ نفسه جيداً لحرب قد تشنّها إسرائيل عليه، لكنّه لن يبادر الى استفزازها بعمل عسكري يدفعها الى ردّ كبير؟
المتابعون الموضوعيون أنفسهم يعتبرون السؤال الثاني جواباً في ذاته، واستناداً الى خطابات القيادات العليا لـ"حزب الله". لكن السؤال الذي يطرحونه هو: هل يستطيع هذا "الحزب" تلافي حرب تريدها إسرائيل؟ والجواب هو كلّا. فالمعلومات وتحليلاتها المتوافرة عندهم تشير الى أن أعداء إسرائيل في العالم العربي هزلوا كثيراً بالحروب الناشبة في دول بعضهم، وبالإرهاب الذي يستهدف بعضها الآخر، وبالخوف من إيران الذي يسيطر على الجميع وخصوصاً جماعة الخليج. ولن تقوم قائمة لهم قبل عشرات السنين. لكنَّ العدو الوحيد الباقي قادراً على إلحاق أذى عسكرياً بها وعلى إعاقة مشروعها الإقليمي هو "حزب الله" رغم انتشاره العسكري في سوريا وغيرها، ورغم الضرر الذي تسبَّب به ذلك لبنيته. ولذلك فإنها قد تقرّر استهدافه مع بيئته المدنية الحاضنة بل مع كل اللبنانيين مستفيدة من دعم أبداه ترامب لها، ومن علاقاتها الجيدة مع دول عربية مهمة بعضها صالحها وبعضها لا يزال في "عداء رسمي" معها. ومن شأن ذلك توفير تسهيلات عسكرية لها لم تكن في الحسبان. وضرب "الحزب" لها في الجولان السوري ستعتبره ضرباً من لبنان معتبرة من قام به "مُتذاكياً" وتردّ عليه فيه. إذ تعرف أن "الحزب" يعتبر ومعه ايران الجولان السوري والجنوب اللبناني جبهة واحدة.