إنه موقف وطني مسؤول يؤدي عملياً الى حل تصاعدي لأزمة الكهرباء، التي تدفع البلد الى الإفلاس بعدما كبّدت الخزينة اللبنانية نحو ٢٥ ملياراً من الدولارات أي ثلث الدين العام.
 

دعوة الدكتور سمير جعجع الى خصخصة الإنتاج على ان تتولى الدولة التوزيع والجباية، هي المدخل الوحيد لحل الأزمة الكهربائية الفاحشة، وهذه الدعوة تفتح باباً واسعاً للاندفاع في ترجمة برنامج حقيقي للتغيير والإصلاح، وهو ما يمثّل الشعار الواعد والعنوان البارز للعهد الجديد، كما يمثّل رهاناً أخيراً عند اللبنانيين على إمكان الخروج من نفق الفشل والفساد والانهيار وإفلاس الدولة، ومن المؤكد ان كل هذا كان مدار بحث عميق بين الرئيس ميشال عون والدكتور جعجع.
إذا كنا نريد أن نبدأ الإصلاح من مكان يعلكه الفشل فالأمكنة كثيرة، ولكن ليس أفضل من بوابة الكهرباء للعبور من عتمة القطط السمينة الى ضوء مشروع الدولة الحقيقية، على الأقل لأن اللبنانيين يعرفون جميعاً ان هذا القطاع بات منذ زمن بعيد سوق محاصصات وسرقات ونهب وتشبيح، لا بل صار مهزلة وعيباً لا يجوز السكوت عنهما. في حين تضج البلاد بهول أخبار السرقة والهدر، وفي الوقت عينه بهول الحديث عن فرض ضرائب جديدة على المواطنين، ضمنها طبعاً ما سيتصل بتمويل الكهرباء التي تكلّف الخزينة أكثر من ملياري دولار سنوياً على رغم إنخفاض سعر الفيول، الذي يصرون منذ ١٥ عاماً على إستيراده لمعامل تعمل على الغاز الأرخص، ربما لأن جبنة الفيول فيها دسم أكثر من الغاز!
ان فشل مؤسسة الكهرباء والفساد الذي نخرها حتى العظم، مسؤولية سياسية واضحة منذ عشرين عاماً، وأذكر أنني يوم كتبت منتقداً الابتزاز الوقح في أسعار الفيول، عندما كانت بواخر الفيول تُستَأخر عمداً في المياه الإقليمية لزيادة الأسعار بالتفاهم من المقتدرين، لم يتردد أحد وزراء الطاقة يومها وصار في ذمة الله، في معاقبتنا بقطع التيار عن مبنى "النهار" في الحمراء على رغم ان الإذاعة ووزارة الإعلام تستمدان الطاقة عبر المحول عينه!
يومها قلت، لو كان هناك شعب عندنا لاستيقظنا لنجد المسؤولين عن السرقات والهدر يشرقطون وهم مربوطون الى أعمدة الكهرباء عقاباً، وها نحن يجيء علينا حين من الدهر لنكتشف مثلاً ان الشاطر اسعد نكد يشعشع زحلة بالكهرباء، بينما مغارة بيروت والضواحي على السراج والفتيل وليس في الدولة المسخرة من يخجل.
لا ليس كثيراً اذا قلت ان جعجع يعبر عن آمال اللبنانيين ووجعهم عندما يدعو الى حلٍ يبدأ بخصخصة إنتاج الكهرباء عبر تنافسية في القطاع الخاص، تؤمن التيار المستمر وبأسعار أرخص، كما ليس كثيراً اذا قلت إن هذا يفتح باباً مهماً امام مسيرة التغيير والإصلاح التي ينتظرها اللبنانيون بفارغ الصبر... ولكن على قناديل الكاز!