تأخّر الخميس الماضي انطلاق جلسة «جنيف 4» الافتتاحية لمدة ثلاث ساعات، والسبب كان تمنُّع المعارضة عن ضمّ وفدَي منصّتَي موسكو والقاهرة إلى وفدها الرسمي.
 

نجح الموفد الأممي إلى سوريا ستيفان دو ميستورا في تسوية الأمر، بعد توصّلِ وفد الائتلاف لصيغة تنسيق في شأن ملفات المفاوضات، مع وفد «منصّة القاهرة»، وحاولَ تكرارَ الأمر نفسه مع وفد «منصّة موسكو»، لكن الأخير تجاهلَ طلبه. وكان على وفد الائتلاف استقبال ضيف ثالث هو منصّة دو ميستورا، المؤلّفة من نساء وممثّلين عن المجتمع المدني.

تعدُّد منصّاتِ المعارضة في «جنيف 4»، جعل جزءاً من المفاوضات في جلساتها، تجري بين المعارضين السوريين المتعارضين، في مقابل حدوث مفاوضات بينهم وبين وفد الحكومة السورية الموحّد. تهمة أنّ المعارضة السورية لا تزال قاصرة عن تشكيل وفدها المركزي و الموحّد، لاحقَت وفد هيئة الائتلاف إلى «جنيف 4»، وتعالت النصائح لها بضرورة إنهاء هذا النقص، ولكنّ «معارضة الرياض» تشكو من مشكلة تكاثرِ منصّات المعارضين القادرين بفِعل دفعٍ دولي، على الوجود داخل قاعات مفاوضات جنيف.

وليس ما تقدّمَ هو كلّ مشكلة وفد ائتلاف المعارضة إلى «جنيف 4»، فقد برزت أيضاً مشكلات بنيوية على صلة بتبويب أجندة التفاوض بين المعارضة والنظام. وما حدثَ على هذا الصعيد هو أنّ دو ميستورا قدّم لأطراف مفاوضات «جنيف 4» ورقة ضمنها التفاوض على ثلاثة ملفات: الإدارة (الانتقال السياسي) والدستور الجديد وإجراء انتخابات حرّة بإشراف الأمم المتحدة على أساسه.

والواقع أنّ هذه العناوين الثلاثة هي توصيات القرار (2254) الذي وصَفه دو مستورا بأنه «يطرح علينا جدول أعمال محادثات التسوية».

ولكن جديد آلية دو مستورا تمثّلَ بأمرين:

ـ الأول، أنّها طرحت البحث في القضايا الثلاث بالتزامن وعبر ثلاث لجان، وذلك تحت شعار أنّ التوافق يجب أن يكون شاملاً لها جميعاً وإلّا فلا توافق.

داخل كواليس التفاوض في «جنيف 4» يطلقون على مشروع دومستورا مصطلح «السلال الثلاث» التي تؤدّي من وجهة نظر أجواء في المعارضة إلى عملية خلطِ أوراق الترتيب الزمني المطلوب لإنجاز خريطة طريق الذهاب إلى التسوية، ما يشوّش على كلّ التفاهمات التي توصّلت إليها المعارضة من خلال مؤتمرات الرياض لتحديد قواسم مشتركة بين أجنحتها حول أيّ خريطة طريق للحلّ تريد، وتكون مقبولة للتفاوض على أساسها في جولات جنيف المقبلة.

بالنسبة إلى المعارضة فإنّ ترجمة القرار (2254) تعني عملية سياسية تنفَّد بنودُها بنحو محدّد زمنياً، وذلك كالآتي: البحث في انتقال سياسي ضمن مدة ستة أشهر. ثمّ يليها كتابة دستور جديد وإقراره خلال 18 شهراً. ثمّ الذهاب إلى انتخابات حرّة ونزيهة بإشراف الأمم المتحدة وعلى أساس الدستور الجديد.

في نظر المعارضة فإنّ سلال دو ميستورا الثلاث أبقَت العناوين على حالها، ولكنّها غيّرت أولوياتها وحرّرتها من توقيتاتها الملزمة لإجرائها. بمعنى آخر أنهَت سياسة السير خطوة ـ خطوة لإكمال الخطوات الثلاث (الانتقال السياسي، فالدستور، فالانتخابات) نحو بدء التسوية، وبدل ذلك حلّت استراتيجة السير في الخطوات الثلاث بعضُها مع بعض، مع اشتراط أن لا تسوية من دون إنجازها معاً.

المشكلة التي تطرحها استراتيجية سلال دو ميستورا الثلاث على هيئة التفاوض العليا للمعارضة، هي أنّها قد لا تستطيع تنسيقَ لعبة التفاوض على ثلاث جبهات سياسية في وقتٍ واحد، لأنّ وفدها أصلاً لم يعُد متجانساً بعدما انضمّت إليه أربع منصّات زائداً منصّة أستانا، وهو يعاني من تباينٍ في آراء أجنحتِه حتى خلال جلسة افتتاحية، فكيف الحال مع جلسات تفاوضٍ على عناوين مصيرية.

إضافةً إلى أنّ سلال دو ميستورا غيّرت من طبيعة العنوان الأهم في القرار 2254 الخاص بالانتقال السياسي، فلم يعُد يؤشّر إلى ما تريده هيئة التفاوض في شأن إنشاء هيئة حكم انتقالية من دون الرئيس بشّار الأسد، أو حتى معه انتقالياً، بل أصبح يَشي بإنتاج حكومة وحدة وطنية بالشراكة مع النظام.

ويُحيي هذا التوجّه فكرة حكومة الثلاث عشرات التي تبقى الحقائب الأمنية فيها للنظام وتحصل المعارضة على عشرة مقاعد والمستقلّين (المنصّات) على عشرة. وهذا ما يفسّر لماذا برزَت في جولة «جنيف 4 « ظاهرةُ تعدّدِ منصّات المعارضات التي هي من خارج جسم معارضة هيئة الائتلاف، بصفتها جزءاً من وفد المعارضة.

ولماذا تعتبر روسيا جولة «جنيف 4» مجرّد تمهيد وترسيم أرضية خريطة توزّع القوى داخل وفد المعارضة على طريق البدء بجولات خامسة وسادسة (ألخ) صعبة وجدّية للتوصّل إلى الحلّ.

ـ الأمر الثاني الجديد في آلية دو ميستورا الذي برزت ورقته لـ»جنيف 4»، تتمثّل بإنشاء سلة رابعة داخل أجندة إنتاج التسوية. تتمثل بإحالة قضايا وقفِ النار ومكافحة الإرهاب والجانب الإنساني، إلى آلية عمل أستانا.

بمعنى آخر، أنّ وفد معارضة هيئة التفاوض الائتلافي لم يعد يملك شرعية المطالبة بأن يسبق عقدَ جولات مفاوضات جنيف وقفُ إطلاق نار، فهذا العنوان لديه آلية منفصلة في أستانا المخوّلة بها ليس هيئة التفاوض السياسية، بل فصائل المعارضة العسكرية التي باتت تعرَف بـ»منصّة أستانا».

خلاصة القول، إنّ نتائج «جنيف 4» المستمرة أعماله في انتظار معرفة موقف وفدَي «المعارضة أو المعارضات» والنظام، من ورقة سلال دوميستورا الثلاث زائداً سلة أستانا، ترسم ميداناً جديداً لقاعة جنيف المفتوحة على جولات جديدة مقبلة تجري تحت عنوان التفاوض والاتفاق على كلّ ملفات الحلّ دفعةً واحدة، وتحت ضغط السماح باستمرار القتال لجعل الأقوى في الميدان هو الأقوى في قاعات جولات جنيف التفاوضية المقبلة.