بعدما دان الرئيس الأميركي دونالد ترامب في حملته الانتخابية تردُّد سَلفه باراك اوباما في سوريا إلى حين سقوط نصف مليون سوري بين قتيل وجريح، لم يظهر أنه سيفعل العكس، والظاهر أنه سيكرّر إدارة هذه الحرب من قيادة خلفية طالباً إلى دول الخليج النفطية القيامَ بالمهمة وتمويل «المناطق الآمنة» في سوريا، فهل أراد ترامب بذلك إحياءَ حلف «رعد الشمال»؟
 

قبل عام من الآن وفي الثلث الأخير من شباط العام 2016 شهدت منطقة «حفر الباطن» في الشمال السعودي المحتوية أكبر قاعدة عسكرية سعودية، أضخمَ مناورة في التاريخ العسكري المعاصر حملت اسم «رعد الشمال».

وشاركت فيها وحدات من «درع الجزيرة» التابعة لدول مجلس التعاون الخليجي وأخرى من 20 دولة عربية وآسيوية وأفريقية إسلامية بمختلف أسلحتها البرية والجوية بقيادة الممكلة العربية السعودية.

وجاءت هذه التظاهرة العسكرية قبل شهر من اجتماع عقِد نهاية شهر آذار 2016 هو الأوّل للتحالف العسكري العربي - الإسلامي الذي ضمّ 35 دولة ضد الإرهاب، والذي كان ولي ولي العهد السعودي ووزير الدفاع الامير محمد بن سلمان بن عبد العزيز تحديداً أعلنَ عنه في كانون الاول 2015.

قيلَ يومها إنّ هذه المناورات لم تكن ظرفية أو مجرّد نزوة. فقد هدفَت الى تقديم اكبر عرض قوة في مواجهة ما يجري في اليمن وسوريا وليبيا ومناطق التوتر الاخرى، بغية تشكيل نواة «القوة العربية الاسلامية» التي يمكن تكليفها مهمّات عسكرية وأمنية ردعية في مناطق عدة من العالم الإسلامي عموماً وسوريا لفرضِ وقفٍ شامل للنار عقبَ ما كان يأمله البعض للمساعدة على عبور المرحلة الانتقالية وتشكيل السلطة السورية الجديدة بعد سقوط النظام.

مرّت الأيام وسقطت رهانات كبرى وتراجعَت مشاريع التدخّل لهذه القوى بعدما ثبتَ للجميع انّ التدخّل الروسي في اليوم الأخير من ايلول 2015 لم يكن مزحة ولا عملية عابرة، وإنّما شكّل نقطة تحوّل كبيرة فصَلت بين مرحلتي السقوط والصمود بالنسبة الى النظام السوري اختلفَ الروس والإيرانيون في احتسابها.

فقالت موسكو إنّها كانت واردة في خلال عشرة أيام، فيما قدّرَها الإيرانيون بمهلة أطول بقليل لو لم ينجحوا بالتعاون بين قيادة الحرس الثوري الإيراني ووزارة الدفاع السورية في إقناع الروس بـ«الجراحة الروسية المطلوبة» قبل شهر على توقيتها لتؤسّس لاحقاً وتدريجاً لحضور روسي بري وبحري وجوّي أبَدي على الأراضي السورية في قاعدة متقدّمة لموسكو وضَعتها على تماس مع مياه المتوسط الدافئة.

تزامناً مع هذه الوقائع العسكرية كان الرئيس الأميركي باراك اوباما يبتعد اكثر عن النار السورية، واكتفى بالدعم الديبلوماسي والامني المحدود من بعيد ومن خلف الحلف الدولي ومنظمات حليفة له في سوريا ضد الإرهاب الذي تمثّلَ بـ«داعش» الذي كان قد اجتاح العراق وسوريا وأنهى الحدود بين البلدين بعرضٍ يزيد على 670 كيلومتراً منذ حزيران 2014.

وهو ما سَمح لاحقاً بفرض امرٍ واقع جديد حضرَت فيه القوات الإيرانية والروسية وحلفاؤهما في مواقع قوة استراتيجية على الأراضي السورية تعدّت الحضور العسكري لتشكّل ترجمةً فعلية لسلّةٍ من التفاهمات مع الحكومة السورية بغية استثمار وإدارة الحقول النفطية والمعدنية السورية وإدارة قطاعات اقتصادية وصناعية كبيرة الحجم تمهيداً لقيادة مرحلة الإعمار كما تخطّط له الدولتان المتنافستان على «حصاد غلّة الحفاظ على النظام وصونِه».

وعلى وقع هذه التطورات حضَر الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب الى البيت الأبيض في 20 كانون الثاني الماضي على قاعدة القيام بكل ما يتعارض وسياسة سَلفه اوباما في الداخل الأميركي والخارج على حد سواء. متوعّداً بأن ينسى الأميركيون برامج اوباما الصحية والعسكرية والديبلوماسية في آن، وملوّحاً بـ«العصا الاميركية الغليظة» للمنظّمات الإرهاببة التي أدرِجت على اللوائح التابعة لبلاده والحلف الدولي.

راقبَ العالم مسلسلَ الأوامر التنفيذية التي اصدرَها ترامب ترجمةً لوعوده الانتخابية في مواجهة ازمة اللاجئين المقيمين بطرقٍ غير شرعية في بلاده فحرَم مواطنين من سبعِ دول إسلامية يريدون دخولها، وأعطى وزير دفاعه الجديد الجنرال جيمس مهلة شهر تنتهي في الثالث من آذار المقبل لوضع الخطط العسكرية اللازمة للقضاء على الإرهابيين ومحوِهم عن وجه الارض.

وقبل انتهاء هذه المهلة اعلنَ ترامب عن خططه لـ«المناطق الآمنة» في سوريا التي تعيد النازحين واللاجئين السوريين بتمويل تقدّمه دول الخليج العربي لمنعِ تدفّقِهم الى الغرب، من دون الإشارة الى الموجودين منهم على اراضي دول الجوار السوري، وليسمح لاحقاً باستقبال «من يحبّوننا ويحترمون عادات وتقاليد بلادنا»، فعدَّت هذه الخطوات تكراراً لاستراتيجية سَلفه في مضمونها وأهدافها من دون شكلها.

بين الديبلوماسيين من يَعتقد انّ التهديدات التي اطلقَها ترامب بمحاكمة السعودية جرّاء تحميلها وِزر أحداث 11 أيلول 2001 غايتُها تطويعها في الحرب على الإرهاب وحراسة «المناطق الآمنة». فهل سيكون ذلك محاولةً لإحياء دور ومهمّة دول «رعد الشمال» التي اعتبرت مناوراتها يوماً أنّها ستشكّل نواةً لـ»عاصفة حزم» أخرى خاصة بالأزمة السورية على غرار «عاصفة الحزم» اليمنية.