هل يهدف ترامب إلى الحفاظ على شعبيته فقط ؟
 

الصديق نفسه الذي يمتلك الكثير من المعرفة والخبرة بأميركا ويُتابع ما تقوم به داخلاً وخارجاً ينتمي أساساً إلى الحزب الجمهوري. وأُعجب كثيراً بالرئيس الأسبق جورج بوش الأب وبادائه وسياسته في أثناء ولايته، واعتبره وطنيّاً و"جنتلمان". هذا الإعجاب لم ينتقل إلى ابنه الذي يحمل اسمه والذي تولّى الرئاسة أيضاً في الـ 20 من كانون الثاني 2001 خلافاً لما يحصل في العالم العربي بل في العالم الثالث عموماً. وأحد أسباب موقفه السلبي منه غزوه العراق في ربيع الـ 2003. لكنّه كان مُعجباً بشقيقه الأصغر "جيب"، وشعر بكثير من الاستياء من ترامب المرشّح بسبب الطريقة السيئة التي تعامل بها معه. كما أُعجب لاحقاً بالرئيس الديموقراطي باراك أوباما. إذ كان مفكّراً ومثقّفاً وعقلانيّاً. ورؤيته أهوال التورّط الأميركي في أفغانستان ثم في العراق هي التي دفعته في أثناء ولايته إلى اتخاذ قرار حاسم بعدم تكرار أخطاء سلفه. لكنّه فوّت "العودة إلى السفينة" كما يقال في سوريا وارتكب بذلك خطأ جسيماً. إذ لو "قصف" وبكثافة مدارج المطارات العسكريّة كلها وجعلها غير صالحة للاستعمال لكان أجبر رئيسها بشّار الأسد على التوجّه نحو طاولة الحوار وتالياً نحو التسوية. لكن خطأ الذكي يساوي ألف خطأ.
يضيف الصديق المُتابع أنه يريد أن يكون متفائلاً، لكنّه لا يجد ما يبرّر عودة التفاؤل إليه. فالرئيس الجديد ترامب زار مثلاً قبل أيام "المتحف الافريقي – الأميركي" ودان في تصريحاته العنصرية العرقيّة واللونيّة وغيرها والهجمات على المقابر اليهودية في بلاده والمراكز الدينيّة. لكن ذلك كان في رأيي متأخّراً جدّاً وقليلاً جدّاً. إذ كان عليه أن يدين في أثناء حملته الانتخابيّة السيادة البيضاء أو بالأحرى "سيادة البيض" وتفوّقهم على الآخرين. لكنّه لم يفعل ذلك في حينه. ولهذا فإن المؤمنين بهذه السيادة يشعرون بالكثير من القوة وبنوع من التفويض بممارسة إيمانهم بل بترجمته عملياً. وهم بدأوا الترجمة بارتكاب أعمال مؤذية.
داخلياً، يلفت المُتابع نفسه إلى أن "طاعون" الاضطراب أو الاهتياج العظيم لا يزال ينتشر (تظاهرات يوميّة مؤيّدة لترامب وأخرى معارضة له)، وإلى أنه لم يبدأ فعل أي شيء لإعادة توحيد "الأمّة الأميركيّة" المنقسمة. فهو يركّز اهتمامه على قاعدته الشعبية إيماناً منه بأنها ستبقى صادقة معه وجاهزة لعونه وستعيد انتخابه لولاية رئاسية جديدة. ويبدو ذلك جليّاً من خلال استعماله تغريدات "التويتر" للبقاء على تواصل معها. لقد حان وقت وضعه الدولة أو البلاد فوق القاعدة الشعبيّة أو الحزب. كما حان وقت مبادرة الجمهوريّين والديموقراطيّين إلى القيام بذلك. وإلى أن يقوموا كلّهم بذلك فإن الهوّة التي تفصل المواطنين الأميركيّين ستتابع اتّساعها والتظاهرات الشعبيّة ستُتابع "نموّها". أصاب ذلك المُتابع الصديق نفسه بخيبة الأمل. إذ أنّ الحزبين الجمهوري والديموقراطي يستمرّان في التخبّط. فالمُنتمون إلى الأوّل لا يزالون يأملون في قيام رئيسهم بتمرير التشريعات الضروريّة في رأيهم. لكن لا أحد منهم يتحدّث عن "إصلاح الهجرة"، علماً أنه المفتاح لحلّ مشكلاتها. ورغم أنه أرسل وزير خارجيّته ركس تيلرسون إلى المكسيك لمعالجتها بالحوار، فإن "الترحيل" مستمر للأجانب المقيمين في أميركا في صورة غير قانونيّة وغير شرعيّة. كما أن الكلام على بناء جدار على الحدود معها لا يزال مستمرّاً. واستناداً إلى المعلومات المتوافرة فإن غالبية القادة الأجانب لا يثقون بترامب بما في ذلك نتنياهو. فضلاً عن أن "حظر" السفر إلى أميركا على مواطني سبع دول لا يزال يزعج قادتها ومواطنيها.
وهو، أي ترامب، يُتابع مساعيه لإبطال "أوباما كير" الذي صار قانوناً في أثناء رئاسته رغم صعوبة ذلك. إذ ليس سهلاً قطع "الفوائد الصحيّة" التي يحصل عليها 20 مليون مواطن أميركي مشتركون فيه. وإذا نجح في إبطاله فإن النتيجة ستكون مزيداً من الاضطراب والاهتياج الشديد. فضلاً عن أن ترامب لم يقم بشيء أو بالأحرى لم يتحدّث عن مشروعاته لتحديث البنى التحتية. وهو وعد قطعه على نفسه في الحملة الانتخابية. أما الديموقراطيّون فإنهم يعانون ما عاناه الجمهوريّون قبل سنوات وهو افتقارهم إلى قيادة قويّة، لكنّهم يحاولون انتخاب واحدة. ونجاحهم في ذلك قد يستغرق وقتاً. الداخل الأميركي يدعو الصديق المُتابع إلى شيء من التشاؤم. فهل يدعوه الخارج وتعاطي الرئيس ترامب معه إلى شيء من التفاؤل؟
يجيب بالقول أنه يشعر بتفاؤل وإن صغيراً في ما يتعلّق بالسياسة الخارجية. لماذا؟