نجحت التنبؤات حول إمكانية زوال الصحف الورقية في ظل عصر الإعلام الإلكتروني، فمنذ بداية عام 2017 انتهت رحلة صحيفة السفير في وقت ما زال غيرها من الصحف يناضل ويعاني، فبعضها لجأ إلى تغيير محتواه بما يتناسب مع متطلبات الجمهور، وأخرى تخلت عن عدد من صفحاتها، وأخرى طردت موظفيها ولم تسدد رواتبهم.
ويربط البعض أسباب تفاقم تلك الأزمة بظهور الإعلام الإلكتروني، وكثرت التساؤلات عن إمكانية تنازل النسخة الورقية للإلكترونية؟ وهل تعد الأخيرة منافساً قوياً لصحفٍ ذات تاريخ حافل بالصحافة؟
من حيث الخبرة المهنية إن وسائل الإعلام الإلكتروني غير قادرة على منافسة الصحافة الورقية لكن هذا لا يعني أن مستقبل الصحف غير مهدد بالزوال، ومع ذلك حتى اليوم الصحف الورقية ما زالت تقاوم للمحافظة على مكانتها حتى ولو تراجع عدد قرائها وحتى لوعاشت جميع أنواع الأزمات، فمن الصعب تخيل مستقبل دون صحف ورقية ومن السهل أن نعيش في ذلك المستقبل لأننا فعلاً دخلنا أبوابه بإقفال صحيفة السفير وبانتظار التالي، إذاً نحن أمام مستقبل غامض ومخيف يهدد الصحافة.

 

إقرأ أيضًا: أطفال داعش: إجبار الطفولة على الإرهاب
أزمة الصحافة الورقية هي أزمة في ثلاث أزمات أو أكثر: أزمة تمويل، أزمة قراءة، وأزمة محتوى.
فعن الأزمة الأولى، تراجع الدعم السياسي والدولي الممول للصحف، لاسيما الدعم الأجنبي الذي يرى انه لابد من التخلي عن الصحف الورقية والإكتفاء بالطبعة الإلكترونية من جهة، والدعم العربي الخليجي الذي بات يحظى بإعلامه الخاص من جهة أخرى، هذا عدا عن تراجع المردود الإعلاني أيضاً الذي كان يشكل نسبة ربح معقولة للصحف، بعد توجه شركات الإعلان نحو المواقع الإلكترونية لما توفره من مميزات وأرباح وفق عدد الزائرين. 
بالإضافة إلى تدني نسبة المبيعات بشكل يفوق الحد الأدنى، وعجز العديد من الصحف اللبنانية عن تحقيق الموازنة بين المداخيل والمصاريف عن توفير تكاليف الطباعة والتوزيع وحتى عن دفع رواتب العاملين فيها .
أما عن الأزمة الثانية، اختلف المحتوى الإعلامي اليوم وتراجع منسوب الثقافة فيه في ظل غياب الخبرة.
وأخيراً الأزمة الثالثة، وهي رغبة القارىء بالتصفّح إلكترونيًا أي أنه لم يعد يرغب بقراءة الأخبار المطوّلة بل يفضل الأخبار الموجزة، والمواضيع الترفيهية المسلية التي نجد الكثير منها على شاشات الكمبيوتر، وربما لا يلام اللبناني الذي تعب من أخبار بلده ومشاكله ليجد في أخبار المواقع الإلكترونية متنفساً، ولكن سيكون ضمن دائرة التسلية والترفيه فقط مبتعداً عن الثقافة والإطلاع.

إقرأ أيضًا: الكوتا النسائية: لبنان في المركز ما قبل الأخير
في حال اختفت الصحافة الورقية، فإن العمل الصحفي سيبقى موجودا وما زالت الكلمة موجودة لكنها تحتاج إلى من يقرأها بغض النظر عن الوسيلة. الصحافيون مازالوا موجودين بأفكارهم، بقدراتهم، بثقافاتهم وسنوات خبراتهم الطويلة، لكن لم يعد هناك وسيلة قادرة على استيعاب تلك القدرات لنقلها، وإن وُجدت تلك الوسيلة فهي ما زالت تكافح ملتقطةً أنفاسها الأخيرة كي لا يكون مصير موظفيها كمصير الذين انخفت صوتهم إثر إقفال مؤسسة "صوت الذين لا صوت لهم"، أما بعد إقفال صحيفة السفير، هناك مستقبل واضحٌ للصحف اللبنانية لكنه غامضٌ لموظفيها، وغامضٌ بالنسبة للصحافة، فهل سيعوّض الإعلام الإلكتروني عن غيابها؟؟