يواصل مجلس الوزراء عقد جلساته المخصصة لمناقشة مشروع قانون موازنة عام 2017، وبينما تتحدث بعض المعلومات، عن إمكانية بت الطرح الرامي إلى فصل الموازنة عن سلسلة الرتب والرواتب. يستبعد المتابعون حصوله، على اعتبار أن الأوضاع ما عادت تحتمل عدم إقرار السلسلة "إجتماعيا" لا سيما وأن المطالبين بإقرارها يتوجهون للتصعيد في حال إقرار الموازنة من دون السلسلة، كما ويستبعدون أن يتحمل فريق سياسي وِزر هذا التصرف، بينما نحن مقبلين على مرحلة انتخابات نيابية.

ما زاد من عقم الجلسات الباحثة بإقرار موازنة تأخرت بقرار سياسي 12 سنة، وخلق أمر واقع معقد، وضع بطريقة مباشرة أو غير مباشرة العصي في دواليب حكومة العهد الجديد، لأن وضع موازنة "لا تلجم العجز الموجود بأي شكل من الأشكال" وبهذه الطريقة التعجيزية، عبر "سلة ضريبية غير مؤاتية تفرمل النشاط الاقتصادي" ووضع سلسلة الرتب والرواتب في دفة الميزان المقابلة، يعني أن تمرير الموازنة بشكلها هذا "شبه مستحيل في الأوضاع الحالية" كما يؤكد الخبير الاقتصادي البروفيسور جاسم عجاقة في حديثه لـ"ليبانون ديبايت".

فـ"كل السلع سوف ترتفع أسعارها تحسباً لإمكانية إقرارها لاحقاً، تخوفا من خلق مفعول رجعي يضرّ بالتاجر أو المستثمر". على حدّ تعبير عجاقة، ولعل عواقب الحديث عن الموازنة مع السلسلة وسلة الضرائب، بدأنا نرى مفاعيله المؤذية في الشارع اللبناني باكراً. فما إن بدأ الكلام عن سلة الضرائب حتى ارتفعت الأسعار كلها 15 في المئة. فـ"إقرار سلة الضرائب لا يعني فقط غلاء الضرائب المذكورة في السلة، بل سيضرب الغلاء كل سلعة، كون كل سلعة هي عرضة لثلاث ضرائب: أولا- إذا كانت مذكورة بالإجراءات الضريبية الـ27، ثانياً- ضريبة 1 في المئة على الـTVA أيّ كان نوع السلعة، وثالثاً- ضريبة لمفعولها علاقة بالمحروقات، فعندما نرفع الـTVA 1 في المئة ونرفع أسعار المحروقات، سيرتفع معهما كل شيء يدخل المحروقات كمادة أساسية أو ثانوية في ماكينته الإنتاجية. ما يعني أننا أمام مفعول مؤذٍ على كل السلع وبالتالي على النشاط الاقتصادي".

ويرى عجاقة بأننا سنكون مع هكذا موازنة أمام ظاهرة "تفقير في المجتمع اللبناني"، ولأول مرة سيكون لسياسة الحكومة اللبنانية المالية تداعيات سلبية مباشرة على الشق الإجتماعي. وما بين إقرار الموازنة وعدم إقرارها، يفضل عجاقة إقرارها "مع تغيير واقع الموزانة للأفضل عبر التخلي عن السلة الضريبية، ووضع إجراءات أخرى للتمويل" وما أكثرها، نذكر منها: 
1-مكافحة التهرب الضريبي، وهذا الإجراء وحده، إذا ما ضُبط بشكل جدي يمكّن الدولة من تحصيل مداخيل بقيمة تفوق الـ5 مليار دولار أميركي أي (10 في المئة من الناتج المحلي).
2-ضبط عملية التخمين العقاري، والتي ترد على خزينة الدولة إيرادات أكثر من فرض رسوم ضريبية على العمليات العقارية.
3-تفعيل جباية الفواتير والرسوم المستحقة والتي تُقدر قيمتها بـ4,5 مليار دولار.
4-الاستفادة من العقارات الشاغرة لدى الدولة، وهي أكثر من 350 عقار شاغر (حسب الدولية للمعلومات) وذلك عبر تأجيرها أو نقل الوزارات والمؤسسات العامة المُستأجرة إليها.
5-الغرامات على الإشغال غير الشرعي للممتلكات البحرية والنهرية والأملاك الموجودة فيها مصلحة سكك الحديد، وهي مذكورة بالسلة في البند رقم 7 من فذلكة الموازنة، ولكنها غير دقيقة، فتغريم المحتل 3 أضعاف القيمة يأتي لوحده من دون الإجراءات الضريبية المتبقية بمبلغ 2,400 مليار ليرة (1،5 مليار دولار)، إلا إذا كان هذا الإجراء شبيه بإشغال "الزيتونة ب".
6-مراقبة وضبط مواقف السيارات، وهو الإجراء القادر وحده على تمويل السلسلة، ويكلف الدولة 360 مليون دولار خسائر.
7- ضبط حركة المولدات الخاصة والتي تُقدر خسائرها على الدولة 130 مليون دولار سنوياً.

إذاً، هناك إجراءات كثيرة لا علاقة لها بالنشاط الاقتصادي، باعتراف أهل الاختصاص، يمكن اعتمادها لتمويل الموازنة، وتجنيب لبنان كارثة معيشية. ويمكننا الجزم إزاء هذه الحقائق والأرقام، أن هناك واحد من اثنين إما جهلاً من المعنيين والمتعاطين في موضوع الموازنة وما يدور في فلكها، وإما تجاهلاً منهم للإجراءات الأسلم... وفي الحالتين هناك مصيبة و(عذرٌ أقبح من ذنب)... ؟!

 

ليبانون ديبايت