تُجمع التقارير الديبلوماسية الواردة من واشنطن على أنّ ما تشهده إدارة الرئيس دونالد ترامب من التخبّط لا مثيلَ له في تاريخ الولايات المتحدة المعاصر. فلم يسبق أن بدأ رئيس أميركي بإصدار سلسلة أوامره التنفيذية من دون أن يُمهّد لها ويوفّر أداةً طيِّعة لتنفيذها، وهو ما انعكسَ على علاقاته بعدد من دول العالم. فأين موقع لبنان وحصّته في هذه المعمعة؟
 

على وقعِ الضجيج الإعلامي الذي رافقَ دخول ترامب إلى البيت الأبيض والتشكيك المستمر بنتائج الانتخابات الرئاسية والمواجهات المتعددة التي خاضها مع وسائل الإعلام والدوائر الديبلوماسية والإدارية الاميركية، ظهر التعثّر جليّاً في تنفيذ مضمون سلسلة أوامره التنفيذية التي انعكسَت توتّراً غير مسبوق في علاقاته الدولية، وزادت منه ردّات الفعل التي أحدثتها في روسيا وإيران والدول الأوروبية التي فوجئت بالأوامر في توقيتها ومضونها الحادَّين.

فالقرارات التي طاولت منعَ دخولِ مواطني سبعة دول عربية وإسلامية إلى الولايات المتحدة الأميركية، أثارت بلبلة في مختلف عواصم العالم ومطاراته قبل ان يتصدّى القضاء وحكّام بعض الولايات لها فأُخضِعت لعملية تعديل واسعة النطاق.

في حين ما زالت تردّدات أوامره التنفيذية الأخرى تتفاعل، خصوصاً تلك التي تناولت طريقة التعاطي مع الاتفاق النووي الإيراني والأزمة السورية، وطلبه إلى وزارة الدفاع وضعَ الخططِ التنفيذية لترجمتِها تحت عنوان مواجهة الإرهاب.

وعليه، تعترف الدوائر الديبلوماسية بأنّ الأخطاء التي ارتُكبت تكمن في إصرار ترامب على إصدار هذه الأوامر قبل أن ينتهي من تركيب إدارته الجديدة والتي جاءت حافلةً بالتناقضات. فالنواة الأولى لفريق عمله الذي شكّله لمعالجة الملفات الحسّاسة لم يكن فريقاً متجانساً على الإطلاق. لا بل إنّ فيه شخصيات جُمِعَت من مواقع عسكرية وماليّة وقضائية مختلفة ومن ثقافات واقتناعات متناقضة في آن.

فلم يكن سرّاً التصنيف الذي أجرته وكالات الاستخبارات الأميركية ومراكز الدراسات لنواة هذا الفريق، فأبرزَت حجم الخلافات في نظرة كلّ منهم وخياراته الشخصية حيال بعض الملفات الأساسية الكبرى التي على الإدارة الاميركية مواجهتُها. سواء تلك التي كانت محطّ عناية سَلفه باراك أوباما أو تلك التي قرّر تعديلها أو نسفَها من أساسها على المستوى الخارجي، كما بالنسبة إلى القضايا الداخلية.

فهو من قرّر إجراء إعادة نظر شاملة فيها على خلفية وعوده الانتخابية، وخصوصاً تلك المتصلة بالنظام الصحّي وقضايا المهاجرين المقيمين بطرقٍ غير شرعية على أراضي الولايات المتحدة الأميركية.

وفي الوقت الذي تؤكّد التقارير الديبلوماسية أنّ توجهات ترامب الداخلية الاميركية ستأخذ مداها على المدى الطويل ليتبيّن حجم نجاحه أو فشلِه في معالجتها، فقد ظهَر جليّاً أنّ بعض الاستحقاقات الخارجية التي قرّر التعاطي معها بأسلوب مغاير لإدارة سلفِه فرَضت عليه اتّخاذ تدابير عاجلة، ما تَسبَّب بتفكّكٍ سريع في إدارته الجديدة قبل أن يعدّ العدّة الكاملة لها وتشكيل الفريق المعاون له كاملاً.

فاستقالة مستشار الأمن القومي مايكل فلين، والتي قيل إنّها على خلفية اتّصالاته السرّية بروسيا، لم تكن حدثاً عادياً يمكن تجاوزه بسهولة وهو لم يمضِ ثلاثة أسابيع في موقعه الجديد. لكنّ البحث الجدّي في تعيين خلفِه نائب الأميرال المتقاعد روبرت هاروارد أحد أقرب القريبين من وزير الدفاع الجديد الجنرال جيمس ماتيس ومساعده السابق في القيادة الاميركية الوسطى في الشرق الأوسط، جاء دليلاً على سقوط تهمةِ التعاطي مع الروس التي أُلصِقت بفلين وحصرها بالمواجهة التي كانت قائمة بين الرجلين، والتي انتصر فيها ماتيس بـ«الضربة القاضية» من الجولة الأولى.

وفي الوقت الذي كان هذا النزاع بين أوباما وأجهزة الاستخبارات وما بين وزير الدفاع ومسؤول الأمن القومي مستعراً، جاء انسحاب وزير العمل الجديد الذي اختاره ترامب من المهمّة التي انتُدب لها قبل أن يثبتَه الكونغرس ليزيدَ في الطين بلّة ويُحدثَ مزيداً من التفكّك في الإدارة الجديدة.

وبناءً على ما تَقدَّم، تتحدّث الدوائر الديبلوماسية المطّلعة عن انعكاسات سلبية لِما يحصل في الإدارة الجديدة على الشرق الأوسط عموماً وعلى لبنان خصوصاً. وذلك على خلفية النظرة الأميركية الجديدة إلى الأزمة السورية وموقع الرئيس السوري بشّار الأسد الذي «يحلم بالتنسيق معها في مواجهة الإرهاب».

كما بالنسبة إلى الدور الإيراني في مجرياتها وما يطاول دورَ حزب الله تحديداً، والتي ستنعكس سلبياتها في وجهٍ من وجوهها على الساحة اللبنانية وفي العلاقات بين لبنان والإدارة الاميركية الجديدة.

وفي غمرة كلّ هذه التطوّرات لفتَت المراجع الديبلوماسية إلى التردّدات السلبية التي ترَكتها مواقف رئيس الجمهورية من «حزب الله» وسلاحه، فزادت من حدّة المواقف الاميركية تجاه لبنان الرسمي وسط توقّعات بتوجّه ينمو في الكونغرس الاميركي لممارسة ضغوط إضافية على لبنان، قد تُترجَم بإجراءات ماليّة تجاه قياديين ومؤسسات من الحزب بهدف محاصرته مالياً، وبسبب صِلاتهم بالحرَس الثوري الايراني، وقد تنعكس سلباً على القطاع المصرفي اللبناني، هذا عدا عن احتمال تقليص برامج الدعم للمؤسسة العسكرية الى الحد الأدنى.

وتلفتُ المراجع الديبلوماسية نظرَ المسؤولين اللبنانيين إلى وجوب إدراك المخاطر المترتّبة على محاولات التفلّت من القرارات الدولية والأميركية، والتنبُّه إلى مخاطر الخروج عنها والمضيّ في تشريع سلاح حزب الله خارج إطار أيّ استراتيجية دفاعية تسحَب موضوع السلاح من التداول الداخلي.

وهو ما يَدفع في اتّجاه إهمال أميركي متزايد لِما يسمّى ملفّ لبنان المغيّب عن أولويات الإدارة الأميركية منذ مغادرة الرئيس جورج بوش البيتَ الأبيض وطوال عهد أوباما المنصرم.