لا فرق في نظر الرئيس دونالد ترامب بين حل يقوم على دولتين، فلسطينية وإسرائيلية، وبين حل الدولة الواحدة. «ما تتفقون عليه يناسبني» يقول في مؤتمره الصحافي المشترك مع بنيامين نتانياهو.
يقدم ترامب المسألة وكأنها خلاف بين جارين على موقف سيارة. إذا اتفقا مَن يركن سيارته قرب مدخل البناء، فلا مشكلة عند الجار الثالث. يتلاءم التفسير هذا مع ما يعرف ويشاع عن سطحية وتبسيطية شديدة في تناول رئيس الولايات المتحدة الجديد الأمور. التسوية لديه لا تقوم على موازين قوى وحقوق تاريخية ومأساة مستمرة منذ أكثر من سبعين عاماً ولاجئين ومخيمات وكفاح وانتفاضات... بل على أن يرضى الجانبان بالحل، حتى لو كان اعتباطياً على طريقة تبويس اللحى.
لم يتأخر السياسيون الإسرائيليون في استنتاج ما يفيد موقفهم من تصريحات ترامب. وزير التعليم نفتالي بينيت أظهر بهجته بأن «العلم الفلسطيني نزل عن السارية»، وكأن العلم هذا سبق أن ارتفع بفضل تصريح من رئيس أميركي، وليس بفضل نضالات الشعب الفلسطيني وحركته الوطنية على امتداد أكثر من نصف قرن، لينزل بسبب تصريح آخر. لكن بينيت يشير الى القيمة الرمزية لموقف ترامب: أن يعجز رئيس الدولة الأوسع نفوذاً وأثراً في العالم عن فهم الفوارق الجذرية بين حل الدولة الواحدة وحل الدولتين، وأن يسوّق، عملياً، للدولة الواحدة، فهذا نصر ديبلوماسي وسياسي مدوٍ لإسرائيل ولسياساتها الإقصائية والاستيطانية التي تتجسد هذه الأيام في هجوم هائج على ما تبقى من أراض فلسطينية في الضفة الغربية.
معروف أن حل الدولة الفلسطينية – الإسرائيلية الواحدة كان قد طرح من جانب عدد من قوى منظمة التحرير ابتداء من منتصف سبعينات القرن الماضي. لكنّ للحل هذا شروطاً عسيرة التحقيق أهمها قيام دولة ديموقراطية لكل مواطنيها، لا تمييز فيها بين الفلسطيني والإسرائيلي من حيث الهوية العرقية والدينية. بكلمات ثانية، ينجح هذا الحل في مناخ يناقض ذلك السائد اليوم ليس في إسرائيل وحدها بل في العالم أيضاً.
في الوقت الذي تتصاعد فيه النزعات الشعبوية واليمينية المتطرفة في إسرائيل وتسفر كل انتخابات تجرى هناك عن وصول من يفوق سابقيه انغلاقاً وكراهية وميلاً نحو التصفية الجسدية والسياسية للفلسطينيين، وفيما يعتبر نتانياهو أن اعتراف الفلسطينيين «بيهودية الدولة العبرية» حاجة لهم، وفي ظل اضمحلال مؤسسات الحكم الذاتي والانقسام الذي يزداد عمقاً ورسوخاً بين الضفة الغربية وغزة، يصعب تخيل أي شكل من أشكال التعايش السلمي بين الفلسطينيين وبين الإسرائيليين، من دون تدخل دولي حاسم للحيلولة دون سحق إسرائيل مواطني الأراضي المحتلة.
وما قبول ترامب بأي حل يتفق عليه الطرفان غير تورية لانحيازه الى الوقائع التي فرضها ميزان القوة في الميدان وعلى مائدة المفاوضات وفي المحافل الدولية. ما الخيارات المتروكة أمام الفلسطينيين؟ لا يبدو طريق المفاوضات واعداً بعد ستة وعشرين عاماً من مفاوضات مدريد. واستنزفت المقاومة المسلحة، كفكرة وممارسة الى مستوى لم يعد من المتاح إحياؤها. لم يعد في يدهم سوى الدعوة الى مؤتمرات صحافية خفيضة النبرة، وتأمل عالم يتغير بوتيرة تعيين وطرد مستشاري الرئيس الأميركي المضطرب.