بعد تحوّل الانتفاضة الشعبيّة السوريّة الإصلاحيّة ثورة مسلّحة، ثم بعد سيطرة التيّارات الإسلاميّة المتطرّفة عليها، وجد الرئيس بشّار الأسد نفسه مضطرّاً إلى طلب المساعدة من حليفه الوحيد الجمهوريّة الإسلاميّة لمواجهة "انتصاراتها" التدريجيّة بعد تطوّع دول عربيّة وإقليميّة عدّة لمساعدتها. كما بعد اتخاذ المجتمع الدولي باستثناء روسيا والصين مواقف مؤيّدة لـ"الثوّار". لبّت القيادة في طهران طلب المساعدة، فتوجّه مقاتلو "حزب الله" حليفها بل شريكها والمؤمن بإيديولوجيّتها الإسلامية إلى سوريا، وخاضوا إلى جانب نظامها وقوّاته النظاميّة وغير النظاميّة حرباً ضروساً وناجحة. وبعد أربع سنوات وجد النظام السوري عاجزاً عن مواجهة الثوّار والتكفيريّين والإرهابيّين السوريّين وغير السوريّين، ووجدت القيادة الإيرانيّة نفسها مضطرّة إلى تنفيذ خطوتين. الأولى زيادة عدد خبرائها العسكريّين وجنود "الحرس الثوري" والميليشيات الشيعيّة الموالية لها والآتية من العراق وأفغانستان وباكستان وغيرها لمساندة قوات "حزب الله" والأسد. أمّا الثانية فكانت الطلب إلى روسيا التدخّل العسكري المباشر في الحرب السوريّة باعتبارها الوحيدة القادرة على حسمها في ظل إحجام أميركا عن التورّط فيها. وتمّ التجاوب مع الطلب ولكن لتحقيق حسم جزئي وهو المحافظة على الأسد ونظامه في بقعة جغرافيّة محدّدة أطلق عليها الروس إسم "سوريا المُفيدة". ودافِع موسكو إلى ذلك كان إدراكها أن عدم تورّط أميركا في سوريا لا يعني أنها وحلفاءها العرب المسلمين والمسلمين غير العرب، فضلاً عن الدول الغربيّة كلها، لا يعني تخلّيهم عن الشعب السوري المنتفض أو الثائر وعن حلفائه الإقليميّين. ولا يعني أيضاً تقبّلاً إراديّاً لعودة روسيا إلى الشرق الأوسط أو بالأحرى لاستعادة سيطرتها على دول فيه، وللانطلاق من ذلك لاستعادة نصيبها من زعامة العالم التي احتكرتها أميركا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي قبل عقدين وأكثر من نصف عقد.
وفي النتيجة تحقّق ما أراده نظام الأسد والجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة وروسيا فلاديمير بوتين. لكن التساؤلات بدأت تغزو وسائل الإعلام على تنوّعها حول العلاقة بين الجهات الثلاث هذه. مثل: هل تقبل إيران أن تصبح صاحبة الكلمة الثانية في سوريا بعد تخلّيها مضطرّة عن الكلمة الأولى لروسيا؟ وهل يقبل نظام الأسد أن يصبح خاضعاً لمشيئة روسيا ومصالحها وإرادتها بعدما كان خاضعاً لمشيئة إيران ومصالحها وإرادتها؟ أم هل يحاول الإفادة من تناقض مصالح هذين "الحليفين" لتعزيز وضعه السياسي والعسكري والجغرافي، وتالياً لاستعادة قرار بلاده أو بالأحرى نظامها بعدما صار روسيّاً أو إيرانيّاً أو روسيّاً - إيرانياً في آن؟ وهل يمكن أن تتباين موسكو وطهران في سوريا، وأن يتسبّب ذلك بخلاف لا يمكن التكهّن بمداه وآثاره المؤذية؟
هل من أجوبة عن هذه التساؤلات؟
توجّه "الموقف هذا النهار" بها إلى قريبين من الجهات المُشار إليها كلّها في محاولة للبحث عن أجوبة عنها. فقالوا: "قيل في البداية وتحديداً أيّام "معركة القصيْر" أنه لولا نجاح "حزب الله" وإيران في حسمها لمصلحتهما كما لمصلحة نظام الأسد لكان هذا الأخير سقط. وهذا كلام صحيح إذ كان الجيش السوري في حينه في أوضاع بالغة الصعوبة. وقد قاله في حينه مسؤولون سوريّون كبار كانت بثينة شعبان واحدة منهم. بعد "القصيْر" بسنتين تقريباً كاد أن يحصل الشيء نفسه، إذ لو لم يتدخّل الروس لكان سقط النظام نفسه باعتراف الجميع الذي "وثّقه" تصريح رسمي لوزير خارجيّة بوتين سيرغي لافروف أكّد فيه أن تدخّل بلاده حال دون "سقوط الأسد ونظامه، وكان متوقّعاً خلال ثلاثة أو أربع أسابيع". وهذا أيضاً اعتراف بواقع غير ممكن تجاهله. لكن ذلك كلّه لا يعني على الإطلاق وجود صراع داخلي بين أطراف محور الأسد – روسيا – إيران، واختلافات بل مشكلات تستعصي على الحل. ففي أثناء اجتماع الوليّ الفقيه آية الله علي خامنئي، صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة، بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين تمّ طيّ صفحات الخصومة بل العداء المُزمن جدّاً بين دولتيهما، والتي نشبت خلالها حروب واحتلال أراضٍ بل ضمٌّ لها. وفي أثناء اجتماع بوتين مع قائد "فيلق القدس" الإيراني الحاج قاسم سليماني تمّ التفاهم على التدخّل العسكري الروسي في سوريا، وعلى وسائل تنسيقه على الأرض، وعلى العمل معاً".
هل هناك خلافات بين روسيا وإيران في سوريا وعليها؟