الصراع على الشرق الأوسط امتد لعقود بين إيران والولايات المتحدة الأميركية، الأمر الذي جعل من منطقة الشرق الأوسط منطقة صراعات على المغانم والنفوذ ودفعت هذه الدول أثمانًا باهظة من أمنها وإستقرارها وشعبها وضاعت المنطقة بين الشرق الأوسط الأميركي الجديد والشرق الأوسط الإيراني الإسلامي
 

تمهيد: 
مع وصول الرئيس الأميركي الجديد رونالد ترامب إلى سدّة الرئاسة في الولايات المتحدة الأميركية عادت إلى الواجهة المبارزة الحامية بين مشاريع السيطرة الامبريالية والإقليمية على بلدان المشرق العربي والإسلامي منذ أن كانت قد افتتحتها وزيرة الخارجية الأميركية السيدة غونداليزا رايس عام ٢٠٠٥ عندما تنبّأت ، وربما سعت، إلى إقامة شرق أوسط جديد على أنقاض القديم.
اولاً: الامبريالية الأميركية، الشرق الاوسط الجديد...
بعد الحرب العالمية الثانية وتصفية مواقع الاستعمار القديم، حضرت الولايات المتحدة بقوة للسيطرة على أكثر المناطق الاستراتيجية في العالم، منطقة الشرق الأوسط، حيث تزايدت أهمية النفط المكتشف في إيران والخليج العربي وشمال إفريقيا، والغاز الطبيعي لاحقاً، فضلاً عن كون المنطقة تحتضن شبكة معقدة من المنافذ البحرية والقواعد العسكرية، من باب المندب إلى السويس إلى تركيا فباكستان وأفغانستان، وبلغت الولايات المتحدة ذروة التدخل السافر بشؤون المنطقة بغزوها للعراق مطلع القرن الحالي، ممّا أثار احتجاجات في العالم الإسلامي وأوروبا والولايات المتحدة نفسها، ممّا عجّل بانسحاب القوات الأميركية من العراق وتركه لُقمة سائغة للايرانيين الذين كانوا قد تغلغلوا في المنطقة بشكل محدود قبل ذلك في لبنان وسوريا والعراق واليمن، ولعبت سياسة الرئيس السابق باراك أوباما دوراً حاسماً في تقلُّص النفوذ الأميركي في المنطقة لصالح النفوذ الإيراني والنفوذ الروسي بعد ذلك.

إقرأ أيضًا: باسيل القوي في جبيل، وفخامة الرئيس الضعيف في القاهرة
ثانياً: الشرق الأوسط الإسلامي "الإيراني".
دأبت الجمهورية الإسلامية في إيران منذ العام ١٩٨٢ على محاولات مدّ نفوذها إلى المنطقة العربية، وكانت باكورة التمدد في لبنان الذي كان يعاني من حرب أهلية واحتلال إسرائيلي ووجود فلسطيني مسلح، مع الوجود العسكري السوري، وفي هذا الوضع المضطرب تمكنت إيران الثورة، بيُسرٍ وسهولة، من استمالة جماعة مذهبية محلّية من صنف الجماعة الغالبة في إيران، وجرى تنصيب فريق يوالي القيادة الإيرانية حاكماً أهلياً على الجماعة المذهبية كما شرح ذلك بالأمس أمين عام حزب الله خلال تأبينه الشيخ حسين عبيد ،أحد مؤسسي الحزب، وجرى بعد ذلك عزل الجماعة عن مجتمع الدولة (الغائبة أصلاً) ، والأهم من ذلك، إمداد هذا الفريق بأسباب السيطرة والاكتفاء المالي ، وتحصين الجماعة بشبكة مرافق "خيرية" وتعليمية، واستفزازات سياسية وشعائرية، أفضت أخيراً إلى منظمة أمنية وعسكرية تمكنت من استدخال هيئات الدولة والمجتمع، والتسلُّل إلى الإدارات والمجالس المنتخبة، والمرافق المشتركة مثل التعليم والقوات المسلحة فينخُر وحدتها الوطنية، وهي ضعيفة غالباً كما أشرنا، ويحول دون بلورة تماسك وطني، ويعرقل اتخاذ القرارات وتنفيذها.
تمّ تعميم التجربة اللبنانية "الناجحة" على سائر المنطقة العربية حيث يمكن الخرق والاستدخال، فعلى غرار حزب الله اللبناني، خرج للعلن "جيش المهدي" ولواء بدر بالعراق، والشباب المؤمن (الحوثي) في اليمن ، ومنظمات الهزارة بأفغانستان، مع دعم حماس والجهاد في فلسطين،وتمّ ّ إلباس السياسة الإيرانية "الإسلامية" بعض البراقع القومية والدينية الموروثة من السياستين السورية والفلسطينية، وقبلهما المصرية الناصرية، وغالباً ما أفضت هذه الذرائع القومية والدينية إلى حروب أهلية مضاعفة أو مزدوجة، واستعداء الجماعات بعضها على بعض استعداءً قاتلاً ومدمّراً ، وهو تقويض بناء سلطة الدولة الوطنية، وبثّ الفُرقة في مرافقها، وتمزيق هذه المرافق للأسف ، أفضى المثال الإسلامي الإيراني إلى الحؤول دون بناء الدولة الوطنية الجامعة، وأسهم في إذكاء الحروب الأهلية المتناسلة بدل تتويج التحرر الوطني بقيام دولة قانون ومؤسسات على مثال الدولة الذي تفترضه العلاقات الدولية وأنظمة الحكم السائرة في أنحاء المعمورة.

إقرأ أيضًا: من وئام وهاب إلى غسان جواد مروراً بسالم زهران..السفسطة في أبهى حللها
بالطبع لن يأتي الرئيس الأميركي بالمنّ والسلوى لشعوب المنطقة، وفي انتظار يومٍ بعيد المنال، عندما تمتلك هذه الشعوب التي انهكتها الحروب والنزاعات، والمطامع الدولية والإقليمية، زمام أمورها ودفّة مصيرها،ينظر البعض ببارقة أمل في تدخل أميركي، لإعادة بعض التوازن المختل لصالح إيران في المنطقة العربية، ويحضر هنا مجدداً أبو نواس عندما قال: وداوني بالتي كانت هي الداءُ.