في ذكرى الرئيس الشهيد رفيق الحريري نستذكر عهده الذي شكّل نقطة مضيئة في تاريخ لبنان على كافة المستويات، هذا العهد الذي حمل لبنان إلى مصاف الدول المتقدمة وجعل منه نقطة ارتكاز سياسي واقتصادي في المنطقة
 

بكثير من الواقعية والموضوعية وبعيدا عن الوجدانيات والعواطف الشاعرية فقد كان واضحا أن الرئيس الشهيد رفيق الحريري كان يحمل مشروعا وطنيا لاستعادة الوطن من براثن الحرب الأهلية وإعادة بنائه على أسس علمية وعصرية تتماهى مع ثورة التكنولوجيا التي غزت العالم. 
فبعد خمسة عشر عاما من حروب معظم دول العالم على الأراضي اللبنانية كانت كافية لتدمير البلد عمرانيا واقتصاديا واجتماعيا، جاء اتفاق الطائف بقرار عربي ودولي لينهي مأساة اللبنانيين ووضع حدا لمعاناتهم والحفاظ على ما تبقى من أسس العيش المشترك فيما بين الطوائف والمذاهب والأحزاب المتنازعة بدعم ومساعدات خارجية. 
والرئيس الشهيد رفيق الحريري كان أحد أبرز رعاة إتفاق الطائف حيث بذل جهودا استثنائية لوضع قواسم مشتركة تقاطعت عليها مصلحة الأطراف المتنازعة وساهمت في تقارب اللبنانيين والقفز فوق خلافاتهم ونزاعاتهم وتحفيز مصلحة الوطن العليا على حساب مصالحهم الضيقة، وأدى ذلك إلى التوصل إلى هذا الاتفاق ونجاحه برعاية عربية واقليمية ودولية. 
وعاد الرئيس الشهيد إلى ربوع الوطن حاملا مشروعه الوطني في عقله وقلبه وتولى مسؤوليته المستحيلة بإعادة بناء البلد مستخدما كافة امكانياته السياسية والمالية املا في تحقيق إنجازات واضحة لهذا المشروع التي ترتكز على بث الحياة في المؤسسات الدستورية لاستعادة دورها ومهمتها ونشاطها وإعادة بناء ما تهدم من المرافق العامة والخاصة وإزالة أسباب الخلافات والتنافر والتناحر بين الطوائف والمذاهب والأحزاب اللبنانية للألتقاء حول المشروع الذي يجمع كافة الأطراف والعيش تحت سقف الدولة والقانون والدستور والميثاق. 

 

إقرأ أيضًا: ترامب يلوح بنشر الفوضى في العالم
وقد سخر الرئيس الشهيد رفيق الحريري منظومة علاقاته الدولية لخدمة مشروع إعادة بناء الدولة، وهو يملك شبكة من العلاقات مع معظم رؤساء جمهوريات ورؤساء وزراء دول العالم فضلا عن علاقاته الودية مع معظم الدول العربية، فاستخدم هذه العلاقات الدولية والعربية ليطلق عملية استنهاض اقتصادي - اجتماعى وورشة عمل عمرانية كانت آثارها واضحة في بناء الجسور وإقامة الأنفاق وشبكة الطرقات وصولا إلى المرافىء والمطار الذي تم توسيعه ليتلائم مع متطلبات المرحلة الجديدة وما تقتضيه حركة الملاحة البحرية والجوية. 
واستطاع الرئيس الشهيد رفيق الحريري أن يتبنى إطلاق أغلب مشاريع النهوض في آن معا فيما عجز سلفاه في حكومتي ما بعد إتفاق الطائف عن تحديد أولويات اعادة البناء. 
وفي ما بدا لكثيرين أن الشهيد رفيق الحريري قارب المستحيل بأطلاق مشروعه الوطني. إلا أنه في الواقع لم يكن أكثر من ترسيخ الثوابت اللبنانية واحترام صيغة العيش المشترك والدستور اللبناني ولكن على أسس عصرية وحضارية متطورة. 

إقرأ أيضًا: إيران في أجندة ترامب
إلا أن العراقيل والعقبات التي رفعها المتربصين بالبلد كانت أكبر من أن يتصدى لها ويحملها شخص بمفرده مهما أمتلك من إمكانات سياسية ومالية وإجتماعية، ومهما بلغ مستوى علاقاته الدولية والعربية، لكن إصرار الرئيس الشهيد رفيق الحريري وتصميمه وثباته كانت السبب في عملية اغتياله في الرابع عشر من شهر شباط في العام 2005 ملتحقا بقافلة شهداء الوطن الذين ساروا على درب الشهادة ودفعوا حياتهم ثمنا لمبادئهم ولأخلاصهم للبلد وللمشروع الوطني الكبير الذي حملوه خلال مسيرة حياتهم أمثال الزعيم كمال جنبلاط والإمام السيد موسى الصدر والرئيس بشير الجميل ورينيه معوض وغيرهم العشرات بل ربما المئات. 
وعملية اغتيال وتغييب هؤلاء وأمثالهم عن الساحة الوطنية لا تستهدف الأشخاص بقدر ما تستهدف أفكارهم وقناعاتهم. وبقدر ما تستهدف الوطن.