طبعاً لرفض "حزب الله" "كسر" الرئيس ميشال عون سبب مهم هو ضعف "تيار المستقبل" السُنّي وتحديداً رئيسه سعد الحريري الناجم عن أمور عدّة. منها "غيابه" نحو أربع سنوات عن البلاد. ومنها أيضاً ضعف قدراته الماليّة. ومنها أخيراً "إختلاف" علاقته الحاليّة بالمملكة العربية السعودية عن علاقته قبل "الغياب" رغم استمرار تأكيد مسؤوليها اهتمامهم بلبنان وبـ"أصدقائهم" فيه. ومنها أخيراً عدم استطاعته حتى الآن رغم ترؤّسه الحكومة الأولى للعهد السياسي الجديد ترميم أوضاعه الشعبيّة والماليّة والسعوديّة على نحو نهائي لأن "ليس له في القصر إلّا من مبارح العصر" كما يُقال، ولأن الظروف في لبنان قد تغيّرت على نحو شبه جذري ولغير مصلحته ومن يمثّل في الداخل والخارج. علماً أن فرص نجاح ما لا تزال أمامه على هذا الصعيد إذا أُجريت الانتخابات وأبلى فيها بلاء حسناً، ثم عاد إلى الحكم على رأس الحكومة الجديدة. كما إذا حصل تحسّن ما في المشهد الإقليمي المؤثّر جدّاً في لبنان والذي يضم السعوديّة والجمهوريّة الاسلاميّة الإيرانيّة. ولرفض "الحزب" أيضاً سبب آخر هو شعور رئيس مجلس النواب نبيه برّي بـ"الحشرة" جرّاء مواقف عون التصعيديّة أحياناً، وعدم قدرته على التصدّي لها كما كان يفعل في السابق حرصاً على "الثنائيّة" التي هو شريك فيها وعلى طرفها الأوّل "حزب الله" الذي أوصل الأوّل إلى رئاسة الجمهوريّة، والذي يعتقد أن مصلحته ومن يمثّل داخلاً وخارجاً المحافظة عليه من نفسه ومن أخصامه وإنجاحه. إذ مثلما رفض ويرفض شريكه ("الحزب") "كسْر" عون فإنه يرفض في الوقت نفسه "كسْر" برّي الذي قد تكون آثاره على المكوّن الشيعي الذي يجمعهما كبيرة. ولرفض "الحزب" سبب ثالث هو "الحَشْرة" التي يمر بها الزعيم الدرزي الأبرز وليد جنبلاط. إذ يشعر الأخير أنه مُستهدف من "التيار الوطني الحر" الذي أسّسه عون ولا يزال رئيساً شرفيّاً له ومن رئيسه الرسمي حاليّاً الوزير جبران باسيل، وخصوصاً بعدما نُقِل عن لسانه أنه لا يريد نائباً مسيحيّاً واحداً لجنبلاط في "دوائره". ورغم أن نفياً لذلك صدر فإن الجمهور المعبّأ عند كل من الاثنين يتصرّف على أنه حقيقي. وهذه "الحشرة" يمكن الاستفادة منها كما من "حشرة" برّي لكن لا يمكن الذهاب في هذا الأمر إلى النهاية. إذ مثل برّي الذي تهدّد مكوّنه الشيعي و"الحزب" فإن جنبلاط المحشور يستطيع أن يشكّل تهديداً للاستقرار الوطني نتيجة للتعبئة الدرزية الشاملة حول حق الدروز في أمور كثيرة، والتي اشترك فيها حلفاء "حزب الله" ومحور الممانعة وأعداؤه أو أخصامه وإن لأسباب مختلفة عند كل من الفريقين. لكن المُقلق هنا هو أن التهديد سيوجّه إلى العلاقات الدرزيّة – المسيحيّة التي لم يصدّق طرفيها أنهما قد يتصالحان بعد حروب الـ 1975 – 1990 وأبرزها "حرب الجبل". وهو قد وُجّه فعلاً الأسبوع الماضي عندما حذّر جنبلاط من تأثّر المصالحة بينهما بما يجري. وتقول في هذا المجال مصادر ديبلوماسية جدّية أن عدم مساعدة "الحزب" والقادرين جنبلاط على التخلّص من "حشرته" سيدفعه إلى التصعيد. وقد يكون ذلك بالإقرار أن طائفته صارت أقليّة، وبالإشارة إلى أن الطوائف المسيحيّة بل المسيحيّين كلّهم صاروا أقليّة، وتالياً بالمطالبة أن تأخذ كل طائفة حقّها في "السياسة والدولة" بحسب حجمها الديموغرافي. طبعاً تعرف هذه المصادر أن "المشكلة" عمليّاً هي مع "الحزب" ومن يمثِّل، لأنه اللاعب الأقوى الذي يدير اللعبة المحليّة مع استمرار إشتراكه في إدارة اللعبة الإقليميّة. لكنّها تعرف أيضاً أن جنبلاط أذكى من أن يواجهه و"شعبه"، فيتحوّل نحو المسيحيّين و"يُخربط" البلاد سواء بالتقاتل معهم أو بدفعهم إلى التفاهم معه وتالياً باقتتالهم معاً مع "الحزب" وجمهوره. علماً أن الاقتتالين انتحار له ولشعبه.
وللرفض نفسه لـ"كسْر" عون من "حزب الله" سبب آخر هو الأثر الذي تركه وسيتركه التحالف الأخير بين "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية". فعون كان في السابق مع النسبيّة الكاملة في الانتخابات النيابيّة. وبعد تحالفه وجعجع صار يرى ربما أن الاستمرار في اعتماد الأكثريّة يسمح لهما معاً بالحصول على تمثيل مسيحي كبير وربما بامتلاك الثلث الضامن أو المُعطّل في مجلس النواب. وهذا ما لا يوافق عليه الشيعة وثنائيّتهم وما لا يُوافق عليه السُنّة و"مستقبلهم" لأنّه يُعطّل مجلس النوّاب والحكومة، ولا أحد يعرف ماذا يحصل في البلاد.
كيف سيعالج "حزب الله" المخاوف و"الحَشْرات" المفصّلة أعلاه؟