السفسطائية الجديدة، تسمية فلسفية يصلح إطلاقها على بعض متصدري المنابر الإعلامية وشاشات التلفزة المحلية من غسان جواد إلى تمام بليق إلى سالم زهران وغيرهم، وهم القادمون على سفينة الممانعة في بحر إعلامي بات يعرفهم جيدا وبات يعرف كل شي
 

أولاً: السفسطة.
عرفت الفلسفة الأثينية منعطفاً حاسماً منذ العام ٤٥٠ق.م، عندما أصبحت أثينا العاصمة الثقافية للعالم اليوناني، وفي حين اهتمّ فلاسفة الطبيعة بالتحليل الفيزيائي للعالم، ظهر فلاسفة يهتمون بانعاش أساليب ديمقراطية عدّة، ممّا ولّد حاجة ماسّة لتثقيف طبقات الشعب ليستطيع المساهمة في المشروع الديمقراطي، وبسرعة غمرت أثينا موجة من أساتذة الفلسفة القادمين من المستعمرات الإغريقية، والذين أطلقوا على أنفسهم لقب "السفسطائيين"، وتقاضوا أجوراً على تعليم المواطنين،وبات التعليم مصدر رزق ومقايضة، حتى تصدّى لهم سقراط وقارعهم في الشوارع والأسواق.
من أبرز وأخطر ما خلّفه السفسطائيون في تاريخ الفلسفة، إنكارهم وجود معايير عامة ومطلقة، فغدا الإنسان-الفرد مقياس كل شيء، وبناءً عليه، المعرفة نسبية عندهم، كذلك الأخلاق ،فهي نسبية، يستطيع الإنسان أن يفعل كل ما يمكن أن يجلب له اللذة ويُجنّبهُ الألم، حتى سُمّي مذهبهم الأخلاقي بأخلاق اللذة، ولو ظلم القويُّ الضعيف، فهذا ليس بلا أخلاقي، بل هذه هي الواقعية، وعلى الضعيف أن يتهيّأ للخروج من ضعفه، لا أن يتبرّم من فعل القوي، لأنّ العالم يسوده صراع الأقوياء، ويفوز الأقوى، وذهب أبرز مُنظّريهم "بروتاغوراس" للقول بأنّ الصّح والخطأ والخير والشر، تُحدّد بحسب حاجات الكائن البشري.

إقرأ أيضًا: جرائم المعتقلات السورية..الفضل لبركات المقاومة والممانعة
ثانياً: سفسطة الممانعة على شاشات التلفزة...
١- في آخر تجليات السيد غسان جواد مع "العبقري" تمام بليق، أنّ المقاومة (وسيدها طبعاً) مقياس الأشياء جميعاً، على مذهب بروتاغوراس، وما عدا ذلك فباطل، وبدعة وضلالة، والخير والشر والصح والخطأ ، كلها تُحدّد وفق معيار المقاومة وإرادة سيدها.
٢- أمّا السيد وئام وهاب ، فتتّسق مبادؤه مع مبدأ سفسطائي شهير، وهو إنكارهم "للحياء الطبيعي"، فالحياء عندهم ليس "فطرياً" ولا يتفق مع الواقع، بل يقع تحت تأثير المجتمع، لذا ليس من الطبيعي أو الفطري أن نخجل من أي شيء، وما الخجل أو عدمه إلاّ مفاهيم مرتبطة بعادات وأعراف المجتمع، وعليه فغالباً ما يلجأ السيد وهاب بمظهر من لا يكترث لتجريحٍ صادرٍ عنه، أو تهجُّم أو افتراء، أو خدشٍ للحياء، أو خرقٍ لمعايير الاستقامة والصدق والاحتشام، (المحكمة الدولية وصرمايته).
٣- السفسطائي رجل مثقف وكفؤ، وهو كما قلنا يتقاضى أجرًا على تثقيف عامة الاثينيين، ولا يتورع أن يخوض في كل باب من أبواب العلم والفلسفة والاجتماع، وقد قيّض الله لأهل الممانعة من هجر ملّتهُ واعتنق مبادئهم لقاء أجرٍ سخي، ونتكلم هنا عن السيد سالم زهران، الذي يتبجّح بكمٍّ من المعارف لا يُحصيها سوى الله (جلّ جلاله) والراسخون في العلم، ولا يعزبُ عن باله شيء، ولم يخطر بباله يوماً أنّ العرب مدحت من قال لا أعلم، وذمّت من قال بدون علم، حتى قيل: قول لا أدري نصف العلم، وامتُدح العالم الذي سُئل عن أربعين مسألة فأجاب عن أربع، واكتفى بالباقي بقوله :لا أدري. أمّا السيد زهران، فيتباهى باطلالاته التلفزيونية اليومية ليخوض ويتبحّر في شتى أصناف الدعاوى السياسية والاقتصادية والإجتماعية.

إقرأ أيضًا: لن تجد هرّاً أسود في غرفة مظلمة، خاصةً أنّه ليس بداخلها
٤- للأسف الشديد، ما زال هؤلاء السفسطائيون الجُدد يتلاعبون بالمعايير، ويقومون بعمليات تزييف الحقائق أمام جمهورٍ غافل، لا يجرؤ فيه سقراط واحد، مستعدٌ لتجرُّع السّم في سبيل الحدّ من هذه الموجة، ولجم اندفاعتها، سقراط يعتقد بأنّ التمييز بين الخير والشر يكمن في عقل الإنسان لا في المجتمع، سقراط يعيد التذكير بأن على الإنسان أن يكون "إنساناً" ساخطاً على أن يكون "خنزيراً" سعيداً، سقراط يعرف الصواب ويفعل الصواب، سقراط يقول لمن يمضون أوقاتهم في السرقة والكذب والنميمة والافتراء على الآخرين، كفى استهتاراً بعقول الناس، كفى سفسطة.